للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْكِرُ كثيرُه ولا قليلُه، ليس يقالُ في مثلِه: اشرَبْ منه، ولا تَسْكَرْ. وأتَوْا بضُروبٍ من خَطَإ القولِ والتَّعَسُّفِ في الاحتجاج بما لا يلزَمُ.

وفي قولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مسكرٍ حرامٌ" (١) و"ما أسكَر كثيرُه فقليلُه حرامٌ" (٢) ما يَرفَعُ الإشكالَ فيما ذكَرُوه ويُوهِمُ أنّ النَّهْيَ عن شربِ قليلِ الجِنْسِ من المسكرِ وكثيرِه، لا عن الفعلِ من فِعْلِ الشارب، وخرَجَ القولُ في نَبيذِ الظُّرُوفِ على خَوْفِ الشِّدَّةِ فيه على ما وصَفْنا، وقد بَيَّنَّا هذا المعنَى في بابِ إسحاق.

وأما قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث: "ونَهَيْتُكم عن زيارةِ القبورِ، فزُوروها، ولا تقولوا هُجْرًا" فإنَّ العلماءَ اخْتَلَفوا في ذلك على وجْهَين:

أحدُهما: أنَّ الإباحةَ في زيارة القبورِ إباحةُ عموم، كما كان النَّهيُ عن زيارتِها نَهْيَ عموم، ثم ورَد النَّسْخُ بالإباحةِ على العموم، فجائزٌ للنساءِ والرجالِ زيارةُ القبورِ على ظاهرِ هذا الحديث، لأنَّه لَمْ يَسْتَثْن فيه رجلًا ولا امرأةً.

حدَّثني خلفُ بنُ القاسم الحافظ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليٍّ سعيدُ بنُ السَّكَن، قال: حَدَّثَنَا يحيَى بنُ محمدِ بنِ صاعدٍ، قال: حَدَّثَنَا حُميدُ بنُ الربيع الخَزَّازُ، قال: حَدَّثَنَا يحيَى بنُ اليمان، قال: أخبَرنا سفيانُ، عن علقَمَةَ بنِ مَرثدٍ، عن ابنِ بُريدةَ، عن أبيه، أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زار قبرَ أُمِّه في ألفِ مُقَنَّع. قال: فما رأيتُ يومًا كان أكثرَ باكيًا من يومئذٍ (٣).

قال أبو عليٍّ: قال لي ابنُ صاعدٍ: كان حُمَيْدٌ لا يُحَدِّثُ بهذا الحديثِ إلَّا في كلِّ سنةٍ مرَّةً (٤).


(١) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الرابع لإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه.
(٢) سلف تخريجه في الموضع المشار إليه في التعليق السابق.
(٣) أي: في ألف فارسٍ مغطى بالسّلاحِ. النهاية في غريب الحديث ٤/ ١١٤.
(٤) أخرجه أبو طاهر المخلِّص في المخلِّصيات (٢٩٨٧) عن يحيى بن محمد بن صاعد، به.
وأخرجه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (٦٥٤) من طريق حميد بن الربيع. وينظر الكلام عليه في التعليق بعد الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>