للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به (١). وقال سعيدُ بن المسَيِّبِ: إذا بلَغ به رأسَ مَغْزاتِه فهو له (٢). ويَحتمِلُ أنّ يكونَ هذا الفرسُ ضاعَ حتى عجَز عن اللَّحاقِ بالخَيْلِ، وضَعُفَ عن ذلك، ونزَل عن مَرَاتبِ الخَيْلِ التي يُقاتَلُ عليها؛ فأُجيزَ له بَيعُه لذلك. ومِن أهلِ العلم من يقولُ: يضَعُ ثَمَنَه ذلك في فرَسٍ عَتيقٍ إنْ وجَده، وإلّا أعانَ به في مثلِ ذلك. ومنهم مَن يقولُ: إنّه له كسائرِ مالِه إذا غزَا عليه.

وأمّا اختِلافُ الفقهاءِ في هذا المعنَى؛ فقال مالكٌ: إذا أُعطِيَ فرسًا في سبيلِ الله فقيل له: هو لك في سبيلِ الله. فله أنْ يَبِيعَه، وإنْ قيلَ: هو في سبيلِ الله. ركِبَه ورَدَّه.

وقال الشافعيُّ، وأبو حنيفةَ: الفرسُ المحمولُ عليها في سبيلِ الله هي لمَن يُحْمَلُ عليها تَمْلِيكٌ. قالوا: ولو قال له: إذا بَلَغْتَ به رأسَ مَغْزاكَ فهو لك، كان تَمْلِيكًا على مُخاطرةٍ، ولم يَجُزْ. وقال اللَّيثُ بن سعدٍ: مَن أُعطِيَ فرسًا في سبيل الله لَمْ يَبِعْه حتى يبلُغَ مَغْزاه، ثم يَصنَعُ به ما شاءَ، إلّا أن يكونَ حَبْسًا فلا يُباعُ. وقال عُبيدُ الله بن الحَسَنِ: إذا قال: هو لك في سبيلِ الله. فرجَع به، رَدَّه حتى يَجعلَه في سبيلِ الله. وسيأتي هذا في بابِ نافع (٣)، والحمدُ للّه.

وفيه أنّ كلَّ مَن يجوزُ تَصَرُّفُه في مالِه وبيعُه وشِراؤُه، فجائزٌ له بيعُ ما شاء من مالِه بما شاء من قليلِ الثَّمَنِ وكثيرِه، كان مِمّا يَتغابنُ الناسُ به أو لَمْ يكنْ؛ إذا كان ذلك مالَه ولم يكنْ وكِيلًا ولا وصِيًّا، لقولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديثِ: "ولو أعْطَاكَهُ بدرْهم".


(١) أخرجه عنه مالك في الموطأ (١٢٩٦).
(٢) أخرجه عنه مالك في الموطأ (١٢٩٧).
(٣) سيأتي ذلك في سياق شرحه للحديث السادس عشر من أحاديث نافع.

<<  <  ج: ص:  >  >>