للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَف الفقهاءُ في كَراهيةِ شِراءِ الرجلِ لصدقَتِه الفرضِ والتَّطَوُّع، إذا أخرَجها عن يَدِه لوَجْهِها ثم أرادَ شِراءَها من الذي صارتْ إليه، فقال مالكٌ: إذا حمَل على فرس فباعَه الذي حُمِل عليه، فوجَده الحامِلُ في يَدِ المشترِي، فلا يَشْتَرِه أبدًا، وكذلك الدَّراهمُ والثَّوبُ.

قال أبو عُمر: ذكَره ابن عبدِ الحكم عنه، وقال في موضع آخرَ من كتابِه: ومَن حُمِلَ على فرسٍ فباعَه، ثم وجَده الحاملُ في يدِ الذي اشتَراه، فتَرْكُ شِرائِه أفضَلُ.

قال أبو عُمر: كرِه (١) ذلك مالكٌ، والليثُ، والحسنُ بن حَيٍّ، والشافعيُّ، ولم يَرَوْا لأحدٍ أنّ يشْتَرِيَ صدَقَتَه، فإنِ اشْترَى أحدٌ صدقتَه لَمْ يَفسَخوا العقدَ ولم يَرُدُّوا البيعَ، ورأَوُا التَّنزُّهَ عنها. وكذلك قولُهم في شِراءِ الإنسانِ ما يُخرِجُه من كفَّارَةِ اليَمينِ، مثلُ الصَّدقةِ سَواءً.

قال أبو عُمر: إنّما كَرِهوا بيعها (٢) لهذا الحديثِ، ولم يَفْسَخوها لأنّها راجِعَةٌ إليه بغيرِ ذلك المَعْنَى. وقد بَيَّنّا هذا في قصةِ هديَّةِ بَرِيرَةَ بما تُصُدِّقَ به عليها. ويَحتمِلُ هذا الحديثُ أن يكونَ على وَجهِ التَّنزُّهِ وقَطْعِ الذَّريعةِ إلى بيعِ الصَّدقةِ قبلَ إخراجِها، أو يكونَ مَوقوفًا على التَّطَوُّع في التَّنزُّهِ.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه، والأوزاعِيُّ: لا بأسَ لمن أخرَج زكاتَه وكفَّارةَ يَمِينِه أن يَشْتَرَيه بثَمَني يَدفَعُه إليه.

وقال أبو جعفرٍ الطحاويُّ (٣): المصيرُ إلى حديثِ عمرَ في الفرسِ أولَى من


(١) في ك ٢: "ذكر"، وما أثبتناه من ق.
(٢) في ق: "كرهوها".
(٣) شرح مشكل الآثار ١٣/ ١٩ - ٢٥، وشرح معاني الآثار ٤/ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>