بها، والإحسانِ إليها. وفيه أنّ العالمَ إذا سُئِلَ عن شيءٍ لا يُحبُّ الجوابَ فيه أنْ يَسْكُتَ، ولا يُجِيبَ بنعمْ ولا بلا، ورُبَّ كلام جوابُه السُّكوتُ.
وفيه من الأدبِ أنّ سكوتَ العالم عن الجوابِ يُوجِبُ على المُتَعَلِّم تَركَ الإلحاحِ عليه.
وفيه النَّدَمُ على الإلحاحِ على العالم خوفَ غضبِه، وحِرمانِ فائدَتِه فيما يُستأْنْفُ، وقلَّما أُغضِبَ عالمٌ إلّا اختُرِمت فائدتُه. قال أبو سلمةَ بن عبدِ الرحمنِ: لو رَفَقْتُ بابن عبَّاس لاسْتَخْرَجْتُ منه علمًا (١).
وفيه ما كان عمرُ عليه مِن التقوَى، والوَجَل؛ لأنَّه خَشِيَ أنْ يكونَ عاصِيًا بسؤالِه رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثَ مرَّاتٍ، كلَّ ذلك لا يُجِيبُه؛ إذ المَعْهودُ أنّ سُكوتَ المرءِ عن الجوابِ وهو قادرٌ عليه عالمٌ به، دَليلٌ على كراهيةِ السُّؤالِ.
وفيه ما يدُلُّ على أنَّ السكوتَ عن السائلِ يَعِزُّ عليه، وهذا مَوجودٌ في طِباعِ الناسِ، ولهذا أرسَل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرَ يُؤَنِّسُه ويُبَشِّرُه، واللّهُ أعلمُ.
وفيه أوضحُ الدليلِ على منزلةِ عُمرَ من قلبِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومَوضعِه منه ومَكانَتِه عندَه.
وفيه أنّ غُفرانَ الذُّنُوب خيرٌ للإنسانِ ممّا طلَعتْ عليه الشمسُ لو أُعطِيَ ذلك، وذلك تحقيرٌ منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للدُّنيا وتَعْظيمٌ للآخرةِ، وهكذا يَنْبَغِي للعالم أنْ يُحَقِّرَ ما حقَّر اللهُ من الدُّنيا، ويزهِّدَ فيها، ويُعظِّمَ ما عظَّم اللهُ من الآخرةِ، ويرغَبَ فيها.
(١) أخرجه الدارمي في السنن (٤٢٦) و (٥٨٧)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (٤٢٦)، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (٣٨٢) من طرق عن سفيان - وهو ابن عيينة - عن الزهري عن أبي سلمة. وعندهم بزيادة، قال سفيان مرّة: علمًا جمًّا. وعند الدارمي: علمًا كثيرًا.