للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان غُفْرانُ الذُّنوب للإنسانِ خيرًا ممّا طلَعتْ عليه الشمسُ، ومعلُومٌ أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُكَفَّرْ عنه إلّا الصَّغائرُ من الذُّنوبِ؛ لأنَّه لَمْ يَأتِ قَطُّ كبيرةً، لا هو ولا أحدٌ من أنبياءِ الله؛ لأنَّهم معصومون من الكبائرِ صَلواتُ الله عليهم، فعلى هذا الصَّلواتُ الخمسُ خيرٌ للإنسانِ منَ الدُّنْيا وما فيها؛ لأنّها تُكَفِّرُ الصَّغائرَ (١)، وباللّه التوفيقُ.

وفيه أنّ نُزولَ القرآنِ كان حيثُ شاءَ اللهُ من حَضَرٍ وسَفَرٍ، ولَيلٍ ونهارٍ، والسَّفَرُ المَذكورُ في هذا الحَدِيثِ الذي نزَلتْ فيه سُورةُ "الفَتحِ" مُنصرَفَه من الحُدَيبيةِ، لا أعلمُ بينَ أهلِ العلم في ذلك خلافًا.

قال أبو عُمر: قال معمرٌ، عن قتادةَ: نزَلتْ عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ١ - ٢]. مرجِعَه من الحُدَيْبِيةِ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد نَزَلَتْ عليَّ آيةٌ أحبُّ إليَّ ممّا على الأرضِ". ثم قرَأ عليهم، فقالوا: هَنيئًا مَريئًا يا رسولَ الله، قد بيَّن اللهُ لك ما يَفعلُ بك، فماذا يَفعلُ بنا؟ فنَزَلَتْ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}. إلى قولِه: {فَوْزًا عَظِيمًا} (٢) [الفتح: ٥].

وقال ابن جريجٍ نحوَ ذلك، وزاد: فنزَل ما في "الأحزاب": {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: ٤٧]. وأنزَل: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}. الآيتين إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا}.


(١) يشير إلى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاةُ الخمسُ، والجمعة إلى الجمعة، كفّارةٌ لِمَا بينهنَّ ما لَمْ تغُشَ الكبائر"، أخرجه مسلم (٢٢٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٢١/ ٢٤١ من طريق معمر، به، ووصله عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢١٠، وعنه أحمد في مسنده ٢٠/ ٣٣٥ (١٣٠٣٥)، وأخرجه من طريق عبد الرزاق الترمذي (٣٢٦٣) ثلاثتهم عن معمر عن قتادة عن أنس، به. وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>