للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: الإدراكُ في هذا الحديثِ إدراكُ الوَقْتِ، لا أنّ رَكْعةً من الصلاةِ مَنْ أدْرَكَها ذلك الوقتَ أجزأتْه مِن تمام صلاتِه. وهذا إجماعٌ من المُسلمين، لا يختلِفون في أنّ هذا المصلِّيَ فَرْضٌ عليه واجبٌ أنْ يأتيَ بتمام صلاةِ الصَّبْح وتمام صلاةِ العَصْرِ، فأغنَى ذلك عن الإكثارِ، وبان بذلك أنّ قولَه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فقد أدركَ الصلاةَ"، يريدُ: فقد أدرَك وقتَ الصلاةِ، إلّا أنّ ثَمَّ أدلةً تَدُلُّ على أنَّ الوقتَ المختارَ في هاتَيِنْ الصَّلاتينِ غيرُ ذلك الوقتِ؛ منها قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديثِ عبدِ الله بن عَمْرِو بن العاص: "وآخِرُ وقتِ العصرِ ما لَمْ تَصْفَرَّ الشمسُ" (١).

يعني آخِرَ الوقتِ المختارِ؛ لئلا تتعارضَ الأحاديثُ.

ومثلُ ذلك حديثُ العلاءِ عن أَنَسٍ مرفوعًا: "تلك صلاةُ المنافقين؛ يجلِسُ أحدُهم حتى إذا اصفرَّتِ الشمسُ وكانت بينَ قَرْنَي الشيطانِ، قام فنقَر أربعًا لا يذكُرُ اللهَ فيها إلّا قليلًا" (٢).

وهذا التغليظُ على من ترَك اختيارَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُمَّتِه في الوقتِ، ورغِب عن ذلك، ولم يكنْ له عُذْرٌ مقبولٌ.

والآثارُ في تَعْجيلِ العصرِ كثيرةٌ جدًّا، ومعناها كلِّها ما ذكَرناه، وبهذا كتَب عُمرُ بن الخطابِ إلى عُمّالِه: أنْ صَلُّوا العصرَ والشمسُ بيضاءُ نَقِيَّةٌ، قبلَ أنْ تَدْخُلَها صُفْرَةٌ (٣).


(١) أخرجه مسلم (٦١٢) من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: "وقتُ الظُّهر ما لَمْ يحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لَمْ تصفرَّ الشمسُ، ووقت المغرب ما لَمْ يسقط نُورُ الشَّفَق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقتُ الفجر ما لَمْ تطلع الشمسُ".
(٢) إسناده صحيح أخرجه مالك في الموطأ (٥٨٦)، ومن طريقه أحمد في المسند ١٩/ ٤٩٠ (١٢٥٠٩)، وأبو داود (٤١٣)، وابن خزيمة في صحيحه (٣٣٣). وقوله: "قرني شيطان" أي: جانبي رأسه.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ (٧)، وعنه عبد الرزاق في المصنّف (٢٠٣٦) عن عمِّه أبي سهيل بن مالك - وهو نافع بن مالك بن أبي عامر - عن أبيه، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري، وأمّا قوله: "كتب إلى عمّاله ... " عند مالك (٨) عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر، فذكره بسياق آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>