للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: فقد بان بما ذَكرْنا من أقاويلِ أئمةِ فقهاءِ الأمْصارِ، وما رَوَيْنا من الآثارِ في هذا البابِ، أنّ أول الوقتَ منه مختارٌ في الحَضَرِ للسَّعَةِ والرَّفاهِيَةِ، ومنه وقتُ ضرورةٍ وعُذْرٍ، ولا يَلْحَقُ الاثْمُ واللَّوْمُ حتى يَخْرُجَ الوقتُ كلُّه، واللّهُ أعلمُ.

وقد أفادنا قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أدْرَكَ رَكْعةً من الصبحِ قبلَ أن تَطْلُعَ الشمسُ فقد أدْرَكَ الصَّبْحَ، ومَن أدْرَكَ ركعةً من العصرِ قبلَ أن تَغْرُبَ الشمسُ فقد أدْرَكَ العصرَ" معانِيَ ووُجُوهًا، منها أنّ المُدْرِكَ لرَكْعةٍ من الصبحِ قبلَ أن تَطْلُعَ الشمسُ، أو لرَكْعةٍ من العصرِ قبلَ غُروبِها، كالمُدْرِكِ لوقتِ الصَّبْح ولوقتِ العصرِ الوقتِ الذي لا يأْثَمُ بالتأخيرِ إليه، كأنه قد أدْرَك الوقتَ مِن أوَّلِه، وهذا لمن كان له عُذْرٌ مِن نسيانٍ أو ضرورةٍ، على ما قَدَّمْنا ذِكْرَه.

ومنها جوازُ صلاةِ مَن صَلَّى ذلك الوقتَ فَرْضَه، ممن نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها؛ لأنه المرادُ بالخطابِ المذكورِ، والمأمورُ بالبِدَارِ إلى إدراكِ بَقِيَّةِ الوقتِ، وإن كان غيرُه يدخلُ في ذلك الخطابِ بالمعنى، فإن هذا هو المشارُ إليه فيه بالنَّصِّ إن شاء اللهُ، واللّهُ أعلمُ.

ومنها أنه أفادنا في حُكْم مَن أسْلَمَ مِن الكفارِ، أو بلَغ مِن الصِّبْيانِ، أو طَهُرَ من الحُيَّضِ، في ذلك الوقتِ، أنه كمن أدْرَكَ الوقتَ بكمالِه في وجوبِ صلاةِ ذلك الوقتِ، وتَلْزَمُه تلك الصلاةُ بكمالِها، كما لو أدْرَكَ وقتَها من أوَّلِه ففَرَّطَ فيها.

وكذلك حُكْمُ المسافرِ يَقْدَمُ الحَضرَ، وحُكْمُ الحَضَرِيِّ يَخْرُجُ مسافرًا في بَقِيَّةٍ من الوقتِ، أو بعدَ دخولِ الوقتِ، وحُكْمُ المُغْمَى عليه يُفِيقُ.

وهذا الحديثُ أصْلُ هذا البابِ كلِّه، فقِفْ عليه، إلَّا (١) أن الفقهاءَ اختلَفوا هاهنا، فذهَب مالكٌ وأصحابُه إلى ظاهرِ هذا الحديثِ، فقالوا: مَن خرَج مسافرًا


(١) من هنا إلى نهاية الفقرة ثم الفقرات الثلاث التي بعدها لَمْ ترد في ق، خ.

<<  <  ج: ص:  >  >>