للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُغمَى عليه إذا أُغميَ عليه خمسَ صلواتٍ فدُونَ، ولا يقضِي أكثرَ. فقولٌ ضعيفٌ لا وجْهَ له في النَّظَرِ؛ لأنه تحكُّم لا يجبُ امتثالُه، إلا لو كان قولَ من يجبُ التسليمُ له. وأصحُّ ما في هذا البابِ في المُغمَى عليه يُفيقُ، أنه لا قضاءَ عليه لِما فاتَه وقتُه. وبه قال ابن شهابٍ، والحسنُ، واين سيرينَ، وربيعةُ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثورٍ. وهو مذهَبُ عبدِ الله بن عمرَ: أُغميَ عليه فلم يَقضِ شيئًا ممّا فات وقتُه (١). وهذا هو القياسُ عندي، واللهُ أعلمُ؛ لأن الصلاةَ تجبُ للوقتِ، فإذا فات الوقتُ لم تَجبْ إلا بدليلٍ لا تنازُعَ فيه، ومن لم يُدركْ من الوقتِ مقدارَ رَكْعةٍ، وفاتَه ذلك بقَدَرٍ من الله، فلا قضاءَ عليه.

والأصولُ مختلفةٌ في قضاءِ ما يجبُ من الأعمالِ في أوقاتٍ معيَّنةٍ إذا فاتتْ أوقاتُها.

فمنها أنّ صومَ رمضانَ في وقتٍ بعينِه، فإذا منَع المسلمَ من صيامِه عِلَّةٌ، كان عليه أن يأتيَ بعدَّتِه من أيام أُخرَ.

ومنها أنّ أعمالَ الحجِّ أوقاتٌ معَيَّنةٌ، فإذا فات وقتُها لم تُعملْ في غيرِها؛ كالوقوفِ بعرفةَ وبمُزْدلفةَ، وغيرِ ذلك من أعمالِ الحجِّ، وكرَمْي الجِمارِ في أيامِها، وكالضحايا في أيامِها، لا يُعملُ شيءٌ من ذلك في غيرِها، قام دليلُ الإجماع على ذلك، وقام الدليلُ من القرآنِ على ما ذكَرنا في قضاءِ الصيام (٢)، فلما احتمَلتِ الصلاةُ الوجهينِ جميعًا طلَبنا الدليلَ على ذلك، فوجَدْنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد بيَّنَ


(١) وذلك مرويّ عنه فيما أخرجه مالك في الموطأ (٢٤) عن نافع: أن عبد الله بن عمر أُغميَ عليه، فذهبَ عقله، فلمْ يقضِ الصلاة، وأخرجه البيهقي في الكبرى ١/ ٥٧٠، وقد نقل ابن المنذر في الأوسط ٤/ ٣٩١ بإثر الحديث (٢٣٣٣) هذا القول أيضًا عن عمار بن ياسر وعمران بن حصين وغيرهما من التابعين.
(٢) وهو قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>