عن قتادةَ، عن أنسِ بن مالكٍ، أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَن نسِيَ صلاةً (١) فَلْيُصلِّها إذا ذكَرها، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك".
ولا وجهَ لقولِ مَن ادَّعى النسخَ في هذا البابِ؛ لأن النسخَ إنما يكونُ فيما يتعارَضُ ويتضادُّ، ولو جاز لقائلٍ أن يقولَ: إنّ نهيَه عَن الصلاةِ في تلك الأوقاتِ ناسخ لقولِه: "مَن أدرَك رَكْعةً من الصُّبحِ قبلَ أن تطلُعَ الشَّمسُ فقد أدرَك الصُّبحَ، ومَن أدرَك رَكْعةً من العصرِ قبلَ أن تغرُب الشمسُ فقد أدرَك العصرَ". وناسخٌ لقولِه:"مَن نام عن صلاةٍ أو نسِيَها، فلْيُصلِّها إذا ذكَرها"، ولا يأتي على ذلك بدليلٍ لا مُعارِضَ له - لجَاز لقائلٍ أنّ يقولَ: إن هذينِ الحديثينِ قد نَسَخا نهيَه عن الصَّلاةِ في تلك الأوقاتِ. وهذا لا يجوزُ لأحدٍ أن يدَّعيَ النسخَ فيما ثبَت بالإجماعِ، وبدليلٍ لا مُعارضَ له، فلهذا صحَّ قولُ مَن قال: إنّ النهيَ إنما ورَد في النَّوافلِ دونَ الفرائضِ؛ لِيَصحَّ استعمالُ الآثارِ كلِّها، ولا يُدفَعَ بعضُها ببعضٍ وقد أمكَن استعمالُها؛ ألا ترَى أنه - صلى الله عليه وسلم - لو قال في مجلسٍ واحدٍ: لا صلاةَ بعدَ العصرِ، ولا بعدَ الصُّبحِ، ولا عندَ طُلوعِ الشَّمسِ وعندَ استوائِها وغروبِها، إلا مَن نسيَ صلاةً وجَبت عليه، أو نامَ عنها، ثم فَزِع إليها. لم يكنْ في هذا الكلام تناقضٌ ولا تعارضٌ، وكذلك هو إذا ورَد هذا اللفظُ في حديثينِ لا فَرقَ بينَه وبينَ أن يَرِدَ في حديثٍ واحدٍ، ولا فرقَ أن يكونَ ذلك في وقتِ أو وقتينِ. فمَن حمَل قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أدرَك ركعةً من العصرِ أو الصبحِ قبلَ الطلوعِ والغروبِ، فقد أدرَك" على الفرائضِ، ورتَّبه على ذلك، وجعَل نَهيَه عن الصلواتِ في تلك الأوقاتِ مُرتَّبًا على النَّوافِل - فقد استعمَل جميعَ الآثارِ والسُّننِ، ولم يُنسَبْ إليه أنه ردَّ سنةً من سُننِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وعلى هذا التأويلِ في هذه الآثارِ عامَّةُ علماءِ