للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُويَ عن مالكٍ أنّه قال: ليس في صلاةِ كسوفِ القمرِ سُنَّةٌ، ولا صلاةَ فيها إلّا لمن شاء (١). وهذا شيءٌ لم يَقُلْه أحدٌ من العلماءِ غيرُه، واللهُ أعلمُ، وسائرُ العلماءِ يرَون صلاةَ كسوفِ القمرِ سُنّةً، كلٌّ على مذهبِه.

واختلَفوا أيضًا في الخطبةِ بعدَ صلاةِ الكسوفِ؛ فقال الشافعِيُّ ومن اتَّبعَه (٢)، وهو قولُ إسحاقَ والطبريِّ: يَخطُبُ بعدَ الصلاةِ في الكسوفِ، كالعيدينِ والاستسقاءِ.

واحتجَّ الشافعيُّ بحديثِ هشام بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، في حديثِ الكسوفِ، وفيه: ثم انصرَف وقد تجلَّتِ الشمسُ، فخطَب الناسَ، فحمِد اللهَ وأثنَى عليه، ثم قال: "إنّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ الله" الحديثَ. وبه احتجَّ كلُّ من رأى الخطبةَ في الكسوفِ.

وقال مالكٌ وأبو حنيفةَ وأصحابُهما: لا خُطبةَ في الكسوفِ (٣). واحتجَّ بعضُهم في ذلك بأنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إنّما خطَب الناسَ لأنّهم قالوا: إنّ الشمسَ كَسَفتْ لموتِ إبراهيمَ ابن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فلذلك خطَبهم يُعرِّفُهم أنّ الشمسَ والقمرَ لا يَنكسِفان لموتِ أحدٍ ولا لحياته (٤).


(١) نقله عنه ابن القاسم في المدوَّنة ١/ ٢٤٣، وينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوسف العبدري، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل لمحمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المعروف بالحطاب الرُّعيني ٢/ ٢٠٠. وقال ابن المنذر في الأوسط ٥/ ١٣٠٧: وهذه غفلة منه لأنه مِمَّن روى حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس صلاة الخسوف ثم خطب.
(٢) الأم للشافعي ١/ ٢٨٠، وينظر: المجموع شرح المهذب للنووي ٥/ ٥٢.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٨٢، والأوسط لابن المنذر ٥/ ٣٠٧، وبدائع الصنائع للكاساني الحنفي ١/ ٢٨٠.
(٤) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٨١، والأوسط لابن المنذر ٥/ ٣٠٧، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>