كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار

زيد بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه - ٦ - ج: 3 - ص: 77

وكان مالكٌ والشافعيُّ لا يريان الصلاةَ عندَ الزَّلزلةِ، ولا عندَ الظُّلمةِ، والرِّيحِ الشديدةِ. ورآها جماعةٌ من أهلِ العلم؛ منهم أحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثور. ورُوِىَ عن ابن عباسٍ إنّه صلَّى في زلزلةٍ (١). وقال ابن مسعودٍ: إذا سمِعتم هدًّا من السماءِ فافزَعوا إلى الصلاةِ (٢). وقال أبو حنيفةَ: من فعَل فحَسَنٌ، ومن لا فلا حَرَجَ (٣).

قال أبو عُمر: لم يأْتِ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجهٍ صحيح أنّ الزَّلزلةَ كانت في عصرِه، ولا صحَّتْ عنه فيها سُنَّةٌ، وقد كانَت في الإسلام (٤) في عهدِ عمرَ، فأنكَرها وقال: أحدَثتُم، والله لئن عادَتْ لأخْرُجنَّ من بينِ أظهرِكم. رواه ابن عُيينةَ، عن عُبيدِ الله بن عمرَ، عن نافع، عن صفيَّة (٥). قالت: زُلزلَتِ المدينةُ على عهدِ عمرَ حتى اصطكَّتِ السُّرُرُ، فقام فحمِد الله وأثنَى عليه، ثم قال: ما أسرعَ ما أحدَثتُم، والله لئنْ عادَتْ لأَخرُجنَّ من بينِ أظهرِكم (٦).

---

(١) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٤٩٢٩) و (٤٩٣١) و (٤٩٣٢)، وابن أبي شيبة في المصنف (٨٤١٩) من طرق عن عبد الله بن الحارث، ومن طريق عبد الرزاق: ابنُ المنذر في الأوسط ٥/ ٣١٤ (٢٩١٧)، والبيهقي في الكبرى ٢/ ٤٧٨، به، وقال البيهقي: هو عن ابن عباس ثابت.
(٢) أخرجه بنحوه ابن عدي في الكامل ٢/ ٤٠٤، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٤٧٧، وفي معرفة السنن والآثار ٣/ ٤٧٧ (٧١٦١) من طريقين عن حبيب - يعني ابن حسّان - عن الشعبيّ، عن علقمة، قال: قال عبد الله؛ فذكره. وحبيب بن حسّان: هو ابن أبي الأشرس الكوفي منكر الحديث، مجمع على ضعفه. وقال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري ٩/ ٢٥٠: الصحيح رواية الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة من قوله.
(٣) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن ١/ ٤٤٤، والأوسط لابن المنذر ٥/ ٣١٤، وبدائع الصنائع للكاساني ١/ ٢٨٢.
(٤) في ق: "وقد كانت أول ما كانت في الإسلام"، والمثبت من ك ٢ وغيرها.
(٥) في ق: "حفصة"، وهي صفية بنت أبي عُبيد بن مسعود الثقفيّة، امرأة عبد الله بن عمر بن الخطاب، رأت عمر بن الخطاب، وحكت عنه (تهذيب الكمال ٣٥/ ٢١٢).
(٦) إسناده صحيح، أخرجه نعيم بن حماد في الفتن ٢/ ٦٢٠ (١٧٣١) عن سفيان بن عيينة، به، وابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ٤٧٣ عن ابن نمير - وهو عبد الله بن نمير الهمداني - به. ومن طريقه - أي ابن نمير - أخرجه البيهقي في الكبرى ٢/ ٤٧٦. وعندهم "اصطفقت السُّرر" بدل "اصطكّت".