للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى حمَّادُ بن سلمةَ، عن قتادةَ، عن عبدِ الله بن الحارثِ (١) قال: زُلزلَتِ الأرضُ بالبصرةِ، فقال ابن عباس: والله ما أدري؛ أزُلزلَتِ الأرضُ أمْ بي أَرْضٌ؟ فقام بالناسِ فصلَّى. يعني مِثلَ صلاةِ الكسوفِ (٢).

وأمّا قولُه في الحديثِ: رأيناك تَكَعْكعْتَ. فمعناه عندَ أهلِ اللُّغةِ: أخنسْتَ وتأخَّرْتَ. وقال الفقهاءُ: معناه: تَقهقرْتَ. والأمرُ كلُّه قريبٌ.

وقال مُتمِّمُ بن نُويْرةَ (٣):

ولكنَّنِي أمضِي على ذاك مُقْدِمًا ... إذا بعضُ من لاقَى الخطوبَ تكَعْكَعا

وأمّا قولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: "إنِّي رأيتُ الجنةَ - ورأيْتُ النارَ"، فإنّ الآثارَ في رُؤيتِه لهما - صلى الله عليه وسلم - كثيرةٌ، وقد رآهُما مرارًا، واللهُ أعلمُ، على ما جاءَتْ به الأحاديثُ، وعندَ الله علمُ كيفيةِ رُؤيته لهما - صلى الله عليه وسلم -، فمُمْكِنٌ أن يُمثَّلا له فيَنظُرَ إليهما بعَينَيْ وجهِه، كما مُثِّلَ له بيْتُ المقدسِ حينَ كذَّبه الكفَّارُ بالإسراءِ، فنظَر إليه، وجعَل يُخبرُهم عنه (٤)، وممكنٌ أنْ يكونَ ذلك برؤيةِ القَلْب، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)} [الأنعام: ٧٥]. واختلَف أهلُ التَّفسيرِ في ذلك؛ فقال مجاهدٌ: فُرِجَتْ له السَّماواتُ فنظَر إلى ما فيهنَّ


(١) عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، الملقب ببَّة.
(٢) إسناده صحيح، أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٣/ ١٠١ (٤٩٢٩) عن معمر عن قتادة وعاصم الأحول، به، وابن المنذر في الأوسط ٥/ ٣١٤ (٢٩١٧)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٤٧٨ كلاهما من طريق عبد الرزاق، به. وكلهم بلفظ: أنه صلّى في الزلزلة بالبصرة، فأطال القنوت.
وذكروا صفة صلاته ودون قوله: والله ما أدري ... إلى آخره.
وقوله: "أَمْ بي أَرْضٌ" أي: رِعْدة. وقال الجوهري في الصحاح مادة (أرض): والأَرْضُ: النَّفْضةُ والرّعْدة.
(٣) ديوانه ١٤، وإليه عزاه الأزهري في تهذيب اللغة ١/ ٥٥.
(٤) كما وقع في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فجَلّى الله لي بيت المقدس، فطفِقتُ أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" أخرجه البخاري (٣٨٨٦)، ومسلم (١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>