للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في جوابِه هذا شيئًا، وأظُنُّه أشارَ إلى نحوِ القولِ المذكورِ من حَمْل الكلام على حقيقَتِه دونَ مجازِه (١)، واللهُ أعلمُ.

وقال قومٌ من العلماء: وَجْهُ هذا الحديث ومعناه عندَنا: حملُه على مجازِ اللفظِ، واستعارةِ القول، واتِّساع الكلام، وقالوا: أرادَ بذكرِه - صلى الله عليه وسلم - قرنَ الشَّيْطان أُمَّةً تعبدُ الشمسَ، وتسجُدُ لها وتُصَلِّي في حين طُلوعِها وغُروبِها من دون الله، وكان - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ التَّشَبُّهَ بالكُفَّارِ ويُحِبُّ مُخالَفتَهم، وبذلك وَرَدَتْ سُنَّتُه - صلى الله عليه وسلم -، وكأنّه أرادَ، واللهُ أعلمُ، أنْ يَفْصلَ دِينَه من دينِهم؛ إذْ هم أولياءُ الشيطان وحزبُه، فنهَى عن الصّلاة في تلك الأوقات لذلك، وهذا التّأويلُ جائزٌ في اللُّغة، معروفٌ في لسان العرب؛ لأنّ الأمّة تُسَمَّى عندَهم قَرْنًا، والأمم قرُونًا، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: ٣٨]، وقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ} [الإسراء: ١٧]، وقال: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه: ٥١]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ الناسِ قَرْني" (٢).

وحدَّثني خلفُ بن القاسم، قال: حدَّثنا أبو أحمدَ عبدُ الله بنُ محمدٍ بنِ ناصحٍ الدِّمَشقيُّ بمصرَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن عليِّ بن سعيدٍ القاضي، قال:


(١) رجَّح النووي حمل هذا المعنى على الحقيقة، فقال بعد أن ذكر مختلف الأقوال في ذلك: "وقيل: القرنان: ناحيتا الرأس، وأنه على ظاهره، وهذا هو الأقوى. قالوا: ومعناه أنه يُدْني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفّار كالساجدينَ له في الصُّورة، وحينئذ يكون له ولبَنيه تسلُّط ظاهرٌ، وتمكُّنٌ من أن يُلبِّسوا على المصلِّين صلاتهم، فكُرهت الصَّلاة حينئذٍ صيانةً لها كما كُرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان"، ثم ذكر حديث عمرو بن عَبسَة الآتي تخريجه قريبًا وفيه: "فإنها تطلع بين قرني شيطان فيُصلي لها الكفّار" وقال: وفي بعض أصول مسلم في حديث ابن عمر (٨٢٨): "بقرني الشيطان" بالألف واللام. انتهى.
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٥١)، ومسلم (٢٥٣٣) من حديث عبيدة السلماني عن ابن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>