للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ شهابٍ الزهريُّ: الأُذُنان من الوجْهِ. وقال الشعبيُّ: ما أقبلَ منهما من الوَجْهِ، وظاهِرُهما من الرأس. وبهذا القول قال الحسنُ بن حَيٍّ، وإسحاقُ بن راهُويَةَ؛ أنّ باطِنَهما من الوِجْهِ، وظاهِرَهما من الرأس. وحكى ابنُ أبي هريرةَ هذا القولَ عن الشافعيِّ. والمشهورُ من مذهبِه ما تقدَّم ذِكْرُه، رواه المُزنيُّ، والرَّبيعُ، والزَّعْفَرانيُّ، والبُوَيْطِيُّ، وغيرُهم.

وقد رُوِيَ عن أحمدَ بن حنبلٍ مثلُ قول الشعبيِّ وإسحاقَ في هذا أيضًا. وقال داودُ: إن مسَح أُذُنَيْه فحَسَنٌ، وإن لم يَمْسَحْ فلا شيءَ عليه (١).

وأهلُ العلم يكْرَهُون للمُتَوضِّئ تَرْكَ مَسْحِ أُذُنَيْه، ويجعَلُونَه تارِكَ سُنّةٍ من سُنَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لا يُوجِبُونَ عليه إعادَةً، إلّا إسحاقَ بن راهُويَةَ، فإنّه قال: إنْ ترَك مَسْحَ أُذُنَيْه عامِدًا لم يُجْزِئْه. وقال أحمدُ بن حنبلٍ: إنْ ترَكَهما عَمْدًا أحْبَبْتُ أنْ يُعِيدَ (٢). وقد كان بعضُ أصحابِ مالكٍ يقولُ: مَن ترَك سُنّةً من سُنَنِ الوُضوءِ أو الصلاةِ عامِدًا أعادَ (٣). وهذا عندَ الفقهاءِ ضعيفٌ، وليسَ لقائله سَلَفٌ، ولا له حظٌّ من النَّظَر، ولو كان كذلك لم يُعْرَف الفرضُ الواجبُ من غيرِه. وقال بعضُهم: مَن ترَك مَسْحَ أُذُنَيْه فكأنّه ترَك مَسْحَ بعض رأسِه. وهو ممّن يقولُ بأنّ الفرضَ مَسْحُ بعض الرأسِ، وأنّه يُجْزِئُ المُتَوضِّئَ مَسْحُ بعضِه. وقولُه هذا كلُّه ليس على أصْل مذهبِ مالكٍ الذي يُقْتَدَى به. وسيأتي القولُ في مَسْحِ الرأس في باب عَمْرو بن يحيى إن شاء الله.


(١) انظر جملة هذه الأقوال الأوسط لابن المنذر ٢/ ٤٥ - ٤٧، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص ١٤، وينظر قول إسحاق بن راهوية في جامع الترمذي تحت الحديث (٣٧)، والأوسط لابن المنذر ٢/ ٤٨.
(٣) انظر المقدّمات الممهدات لابن رشد القرطبي ١/ ٧٦ و ٨١، والذخيرة للقرافي ١/ ٢٨١، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل ١/ ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>