للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو المُبيِّنُ عن الله عزَّ وجلَّ مُرادَه قَولًا وعَمَلًا، وقد بَيَّنَ أنّ من مرادِ الله بقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}: المضمضةَ والاسْتِنشاقَ، مع غَسْلِ سائرِ الوَجْه.

وحُجَّةُ مَن فَرَّقَ بينَ المضمضةِ والاستِنْشاقِ: أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعَل المضمضةَ ولم يأمُرْ بها، وأفعالُه مَنْدُوبٌ إليها ليست بواجِبَةٍ إلّا بدليلٍ، وفَعلَ الاسْتِنثارَ وأمَر به، وأمْرُه على الوُجُوبِ أبدًا إلّا أنْ يتَبيَّن غيرُ ذلك من مُرادِه. وهذا على أُصُولهم في ذلك.

وأمّا اختلافُ العلماءِ في حكم الأُذُنَين في الطهارة؛ فإنّ مالكًا قال فيما روَى عنه ابنُ وَهْبٍ، وابنُ القاسم، وأشْهَبُ، وغيرُهم: الأُذُنانِ من الرأس، إلّا أنّه قال: يُسْتَأنَفُ لهما ماءٌ جديدٌ سِوَى الماءِ الذي يَمْسَح به الرأسَ (١). فوافَقَ الشافعيَّ في هذه؛ لأنّ الشافعيَّ قال: يَمْسَحُ الأُذنين بماءٍ جديدٍ (٢). كما قال مالكٌ، ولكنّه قال: هما سُنّةٌ على حِيَالِهما، لا من الوَجْهِ ولا من الرأس. وقولُ أبي ثَوْرٍ في ذلك كقولِ الشافعيِّ سواءً حرفًا بحَرْفٍ. وقولُ أحمدَ بن حنبلٍ (٣) في ذلك كقولِ مالكٍ سواءً، في قوله: الأُذُنان من الرأسِ، وفي أنّهما يُسْتَأنَفُ لهما ماءٌ جديدٌ.

وقال الثوريُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه: الأُذُنان (٤) من الرأسِ يُمْسَحان مع الرأسِ بماءٍ جديد. ورُوِيَ عن جماعةٍ من السلف مثلُ ذلك القولِ من الصحابةِ والتابعين.


(١) المدوَّنة ١/ ١٢٤، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٣٦.
(٢) الأم ١/ ٤٢، قال: وأحبُّ أن يمسح ظاهِرَ أُذنيه وباطنهما بماءٍ غيرِ ماءِ الرأس. وانظر: المجموع شرح المهذب للنووي ١/ ٤١٠.
(٣) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص ١٤، ورواية ابنه عبد الله، ص ٢٧ (٩٥). وانظر: المغني لابن قدامة ١/ ٧٩.
(٤) من هنا إلى قوله: "الأذنان من الوجه" سقط من ك ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>