للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك القولُ عندَ أحمدَ بن حنبلٍ في روايةٍ، وعن بعض أصحابِ داودَ. وحُجَّةُ مَن لم يُوجِبْهما: أنّ اللهَ لم يذْكُرْهما في كتابِه، ولا أوْجَبَهما رسولُه - صلى الله عليه وسلم -، ولا اتَّفَقَ الجميعُ عليه، والفرائضُ لا تَثْبُتُ إلّا من هذه الوُجُوه.

وحُجَّةُ مَن أوْجَبَهما في الغُسْل من الجنابةِ دونَ الوُضوءِ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "تحتَ كلِّ شَعَرَةٍ جنابةٌ، فبُلُّوا الشَّعَرَ، وأنْقُوا البَشَرَةَ" (١). وفي الأنف ما فيه من الشَّعَرِ، وأنّه لا يُوصَلُ إلى غَسْلِ الأسنانِ والشَّفَتَين إلّا بالمضْمَضَةِ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "العينان تَزنيان، والفمُ يَزني" (٢). ونحوُ هذا إلى أشياءَ يطولُ ذِكْرُها.

وحُجَّةُ مَن أوجَبَهما في الوُضوءِ وفي غُسْل الجنابةِ جميعًا: أنّ الله عزَّ وجلَّ قال: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]، كما قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦]. فما وجَب في الواحدِ من الغُسْلِ وجَب في الآخَر، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُحْفَظْ عنه أنّه ترَك المضمضةَ والاستِنشاقَ في وُضوئِه ولا في غُسْلِه للجنابَة،


(١) ضعيف، أخرجه أبو داود (٢٤٨)، والترمذي (١٠٦)، وابن ماجة (٥٩٧)، والبزار في مسنده ١٧/ ٢٥٢ (٩٩٣٣)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار، مسند عليّ، كلهم عن نصر بن عليّ عن الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وضعّفه أبو داود بقوله: الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف. ووقع عنده وعند الترمذي وابن ماجة بلفظ "فاغسِلُوا" بدل "فَبُلُّوا". ويُروى من وجوه أخرى ضعيفة، منها: حديث عائشة عند أحمد في المسند ٤١/ ٣٠٦، (٢٤٧٩٧)، وحديث أبي أيوب الأنصاري عند ابن ماجة (٥٩٨)، وانظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر ١/ ١٤٢ (١٩٠).
(٢) صحيح، أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند ١٤/ ٢١١ (٨٥٢٨)، وأبو داود (٢١٥٣)، من طريقين عن حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكلِّ ابن آدم حظُّه من الزِّنى، فالعينان تزنيان وزناهما النَّظر، واليدان تزنيان وزناهما البَطْشُ، والرِّجلان تزنيان وزناهما المشي، والفَمُ يزني وزِناه القُبَلُ"، وعند أحمد بزيادة: "والقلب يهوى ويتمنّى، والفرج يصدِّق ذلك كله أو يكذبه"، وهو في صحيح مسلم (٢٦٥٧) (٢١) كما عند أحمد ولكن دون قوله: "والفم يزني وزناه القُبل".

<<  <  ج: ص:  >  >>