رأى مِن الحاجة، ثم ردَّه من إبل الصَّدَقة، كما يَسْتَقْرِضُ وَلِيُّ اليتيم عليه نظرًا له، ثم يَرُدُّه من مالِه إذا طرَأ له مالٌ، وهذا كلُّه لا يُنازع فيه، والحمدُ لله.
وقد اختلَف العلماءُ في حال المسْتَقْرَضِ منه الجملُ المذكورُ في هذا الحديث؛ فقال منهم قائلون: لم يكن المسْتَقْرَضُ منه ممَّن تجِبُ عليه صدقةٌ، ولا يَلْزَمُه زكاةٌ؛ لأنّه قد رَدَّ عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صدقَتَه، ولم يَحتَسِبْ له بها، وقتُ أخْذِ الصدقاتِ وخروجِ السُّعاةِ وقتًا واحدًا يَستوي الناسُ فيه، فلمّا لم يَحْتَسِبْ له بما أخَذ منه صدقةً، عُلِم أنّه لم يكنْ ممَّن تلْزَمُه صدقةٌ في ماشيتِه؛ لقصورِ نصابِها عن ذلك، واللهُ أعلم. هذا قولُ من لم يُجِزْ تعجيلَ الزكاةِ قبلَ محِلِّها.
وقال آخرون: جائرٌ أن يكون المسْتَقْرَضُ منه في حين رَدِّ ما اسْتُقْرِضَ منه إليه ممَّن لا تَجِبُ عليه الصدقةُ؛ لجائِحَةٍ لحِقَتْه في إبلِه ومالِه قبلَ تمام الحولِ، فوجَب ردُّ ما أُخِذ منه إليه. ومثالُ ذلك الاسْتِسْلافِ في هذا الموضع عندَ هؤلاء، أن يقولَ الإمامُ للرجل: أقْرِضْني على زكاتِكَ لأهلِها، فإن وجَبتْ عليك زكاةٌ بتمام مِلْكِك للنِّصابِ حَوْلًا فذاك، وإلّا فهو دَينٌ لك أرُدُّه عليك من الصَّدقة. وهذا كلُّه على مذهب مَن أجاز تعجيلَ الزكاةِ قبلَ وقتِ وُجوبِها.
وقد اختلَف الفقهاءُ في تعجيلِ الزَّكَواتِ قبلَ حُلولِ الحَوْلِ، فأجاز ذلك أكثرُ أهل العلم. وممّن ذهَب إلى إجار تعجيلِ الزكاةِ قبلَ الحُلول: سفيانُ الثوريُّ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ بن حنبلٍ، وأبو ثورٍ، وإسحاقُ بن راهُويةَ، وأبو عُبيدٍ. ورُوِيَ ذلك عن سعيدِ بن جُبيرٍ، وإبراهيمَ النخَعيِّ، وابن شهابٍ، والحَكَم بن عُتيبةَ، وابن أبي ليلى (١).
(١) ينظر الأم للشافعي ٢/ ١٩، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل ١/ ١٢٢ (٤)، والمصنف: لعبد الرزاق ٤/ ٨٦ (٧٠٦٨) فيما أخرجه عن سعيد بن جبير، ولابن أبي شيبة ٣/ ١٤٨ فيما أخرجه عنه وعن الحكم بن عُتيبة وإبراهيم النخعي وسواهم، وتُنظر بقية الأقوال في ذلك: اختلاف العلماء للمروزي ص ٤٥٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٥٥.