للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ (١): يجوزُ تَعجيلُ الزكاةِ لما في يَدِه، ولما يَستَفيدُه في الحول وبعدَه بسنين. وقال زُفَرُ: التعجيلُ عمّا في يَدِه جائزٌ، ولا يجوزُ عمّا يَسْتَفيدُه. وقال ابنُ شُبْرُمَةَ: يجوزُ تَعجيلُ الزكاةِ لسنتين (٢). وقال مالكٌ (٣): لا يجوزُ تَعْجيلُها قبل الحلول إلّا بيسيرٍ.

وقالت طائفةٌ: لا يجوزُ تَعْجيلُها قبلَ محِلِّها بيَسيرٍ ولا كثيرٍ، ومَن عجَّلها قبلَ محَلِّها لم يُجْزِئْه، وكان عليه إعادَتُها، كالصلاة، ورُوِي ذلك عن الحسنِ البصريِّ (٤). وهو قولُ بعض أصحابِ داودَ (٥)، وروى خالدُ بن خِداشٍ وأشهَبُ، عن مالكٍ مثلَ ذلك.

قال أبو عُمر: مَنْ لم يُجِزْ تَعْجيلَها قاسَها على الصلاةِ وعلى سائر ما يَجبُ مُؤقّتًا؛ لأنه لا يُجزئُ مَن فعَله قبلَ وَقْتِه، ومَن أجاز تَعجِيلَها قاس ذلك على الدُّيون الواجبةِ لآجالِ محدودةٍ، أنّه جائزٌ تَعْجيلُها، وفرَّق بين الصلاةِ والزكاة، بأن الصلاةَ يستوي الناسُ كلُّهم في وقتِها، وليس كذلك أوقاتُ الزكاة؛ لاختلاف أحوالِ الناس فيها، فأشْبَهتِ الدُّيونَ إذا عُجِّلتْ.

وقد استدَلَّ الشافعيُّ على جوازِ تَعجيلِ الزكاةِ بهذا الحديث (٦). وفي قضاءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المستَسْلَفَ منه البَكْرُ جَمَلًا جيِّدًا، دليلٌ على أنّه لم يكنْ ممن عليه


(١) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٢/ ٨١، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٥٥.
(٢) قول زفر وابن شُبرمة نقله عنهما الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٥٥، والسرخسي في المبسوط ٣/ ٣٢.
(٣) المدوَّنة ١/ ٣٣٥، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٣٥، ٣٦.
(٤) أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (١٠٢٠٦).
(٥) ينظر المحلّى لابن حزم ٦/ ٩٥ - ٩٧.
(٦) في الأم له ٢/ ٢٢، وقال: ولا يُجبر ربُّ مالٍ على أن يُخرِجَ صدقتَه قبل مَحِلِّها إلّا أن يتطوَّعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>