للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيرًا تَحِلُّ له الزكاةُ، فأعْطاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خيرًا من بعيرِه بمقدارِ حاجَتِه، وجمَع في ذلك وضعَ الصدقةِ في موضعِها، وحُسنَ القَضاءِ، وجائزٌ أن يكونَ غارِمًا أو غازِيًا ممّن تَحِلُّ له الصدقةُ مع الغِنى (١)، فيعطيه لذلك أفضلَ ممّا أخَذ منه، فيجمَعُ في ذلك حسنَ القضاء ووضْعَ الصدقةِ موضِعَها، والله أعلمُ، وسيأتي في ذكر الخمسةِ الأغنياءِ الذين تَحِلُّ لهم الصَّدَقةُ فيما بعدُ من حديث زيد بن أسلمَ إن شاء الله.

وفي هذا الحديث أيضًا من الفقه: إثباتُ الحيوان في الذِّمَّة، وإذا صحَّ ثُبوتُ الحيوانِ في الذمَّةِ بما صحَّ مِن جوازِ اسْتِقْراضِ الحيوان، صحَّ فيه السَّلَمُ على الصِّفَةِ، وبَطَل بذلك قولُ من لم يُجِزْ الاسْتِقْراضَ في الحيوان، ولا أجازُوا السَّلَم فيه.

واختلَف الفقهاءُ في السَّلَم في الحيوان، وفي اسْتِقْراضِه، فذهَب العراقيُّون إلى أن السَّلَمَ في الحيوانِ لا يجوزُ. وممّن قال بذلك: أبو حنيفةَ وأصحابُه، والثوريُّ، والحَسَن بنُ صالح (٢). ورُوِيَ ذلك عن ابن مسعودٍ، وحذيفةَ، وعبدِ الرحمن بن سَمُرَة (٣).

وحُجَّةُ من قال بهذا القول: أن الحيوانَ لا يُوقَفُ على حقيقةِ صِفتِه؛ لأنّ


(١) من هنا إلى قوله: "حسن" سقط من م.
(٢) ينظر اختلاف الفقهاء للمروزي ص ٥٥٠، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ١٢ - ١٣، والمبسوط للسرخسي ١٢/ ١٣١.
(٣) الرواية في ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه أخرجها عنه عبد الرزاق في المصنف من طرق عديدة ٨/ ٢٣ (١٤١٤٧ - ١٤١٥٠) و ٨/ ٢٦ (١٤١٦٠)، وابن المنذر في الأوسط ١٠/ ٢٩٢ (٨١١١)، وقال: "رُوي ذلك عن ابن مسعود، وهو مختلف عنه فيه".
وأما الرواية عن حذيفة وعبد الرحمن بن سَمُرة، فأخرجها عنهما الطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٦١: عن حذيفة برقم (٥٧٤٧)، وعن عبد الرحمن بن سمرة برقم (٥٧٤٨).
وانظر: السنن الكبرى للبيهقي ٦/ ٣٧ حيث نقل عن الشافعي تضعيفه للروايات الواردة في ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه، واستدلاله بما ورد في الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما في جواز السلم في الحيوان، وسيأتي المصنف على ذكرها قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>