للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشْيَه وحَركاتِه ومَلاحَتَه وخُبرتَه (١)، كلُّ ذلك لا يُدْرَكُ وَصفُه، وكلُّ ذلك يَزِيدُ في ثمنِه ويَرفَعُ من قِيمتِه. فادَّعَوا النسخَ في حديثِ أبي رافع المذكورِ وما كان مثلَه، وقالوا: نسَخه ما قضَى به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، في أنّه أوجَب على المُعْتِق نَصيبَه مِن عبدٍ بينَه وبينَ آخَرَ، إذ أوْجَب عليه قيمةَ نَصيبِ شريكِه (٢)، ولم يُوجِبْ عليه نصفَ عبدٍ مثلِه.

وقال داودُ بن عليٍّ وأصحابُه: لا يجوزُ السَّلَمُ في الحيوان، ولا في شيءٍ من الأشياء، إلّا في المكيلِ والموزونِ خاصةً، وما خرَج عن المكيلِ والموزونِ فالسَّلَمُ فيه غيرُ جائزٍ عندَهم؛ لحديثِ ابن عباسٍ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أول قال: "مَن أسلَم فليُسلِمْ في كيلٍ معلوم، ووَزْنٍ مَعلُوم، إلى أجلٍ معلوم" (٣)، ولنَهيِه عن بيعِ ما ليس عندَك؛ قالوا: فكلُّ ما لم يكنْ مَكيلًا أو موزونًا فداخلٌ في بيعِ ما ليس عندَك.

قال أبو عُمر: بنَوا هذا على ما أصَّلُوا من أن كلَّ بيع جائزٌ بظاهرِ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥]، إلّا بيع ثبَت في السُّنةِ النهيُ عنه، أو أجمَعتِ الأُمَّةُ على فسادِه.

وقال أهلُ المدينة، ومالكٌ وأصحابُه، والأوزاعيُّ، والليثُ، والشافعيُّ


(١) الخبرة: الصوف الجيد من أول الجزِّ.
(٢) يشير إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أعتق شركًا له في عبدٍ، فكان له مالٌ يبلغ به ثمن العبد، قوِّم عليه قيمة العدل، فأعطى شركاءه حصصَهم، وعَتَق عليه العبد، وإلّا فقد عَتَق منه ما عَتَق"، أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٣٢٣ (٢٢٤٠) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو عند البخاري (٢٥٢٢)، ومسلم (١٥٠١) من طريق مالك، به. وسيأتي عند المصنف وكلامه عليه في ترجمة نافع.
(٣) أخرجه البخاري (٢٢٤٠)، ومسلم (١٦٠٤) بلفظ: "من أسلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>