للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنُ مسعودٍ يقولُ ذلك. قال يحيى: فقلتُ: وما لنا ولابن مسعودٍ في هذا، قد كان ابنُ مسعودٍ يتَعَلَّمُ منا ولا نتَعَلَّمُ منه، وقد كان يَقْضِي في بلادِه بأشياءَ، فإذا جاءَ المدينةَ وجَد القضاءَ على غير ما قضَى به، فيَرْجِعُ إليه.

وأمّا اعتِلالُ العراقيِّين بأنّ الحيوانَ لا يُمكِنُ صِفَتُه، فغيرُ مُسلَّم لهم؛ لأن الصِّفَةَ في الحيوانِ يأتي الواصفُ منها بما يَدْفع الإشكالَ، ويُوجِبُ الفَرْقَ بين الموصوفِ وغيرِه، كسائرِ الموصوفاتِ من غير الحيوان، وإذا أمكَنَتِ الصِّفَةُ في الحيوان، جاز السَّلَمُ فيه بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَصِفُ المرأةُ المرأةَ لزَوْجِها حتّى كأنّه يَنْظُرُ إليها" (١). فجعَل - صلى الله عليه وسلم - الصِّفةَ تقومُ مقامَ الرُّؤية.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه (٢): لا يجوزُ اسْتِقراضُ شيءٍ من الحيوان، كما لا يجوزُ السَّلَمُ فيه؛ لأنّ ردَّ المثلِ لا يُمْكِنُ؛ لتعَذُّرِ المماثلةِ عندَهم في الحيوان.

وقال مالكٌ، والأوزاعيُّ، والليثُ، والشافعيُّ: يجوزُ اسْتِقراضُ الحيوانِ كلِّه إلّا الإماءَ، فإنّه لا يجوزُ اسْتِقراضُهُنَّ (٣). وعندَ مالكٍ فيما ذكَر ابنُ الموَّاز: إنِ اسْتقْرَض أَمَةً ولم يَطَأْها رَدَّها بعَينِها، وإن وَطِئها لَزِمَته القيمةُ ولم يرُدَّها. وعندَ الشافعيِّ: يَرُدُّها ويَرُدَّ معها عُقْرَها (٤) - يعني صَداقَ مِثْلِها - وإن حمَلَتْ


(١) أخرجه البخاري (٥٢٤٠) من حديث شقيق بن سلمة عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: "لا تباشر المرأة المرأة ... ".
(٢) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني ٥/ ٥ حيث نقل عن أبي حنيفة قوله: "ولا خير في السَّلَم في شيء من الحيوان، ألا ترى أنه مختلف مجهول لا يُعرف دفنه ولا قدره"، ومثل ذلك نقل عنه ابن المنذر في الأوسط ١٠/ ٣٠٥ والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ١١.
(٣) ينظر المدونة ٤/ ٣٨٥، والأم ٣/ ١٢٢، واختلاف الفقهاء للمروزي ص ٥٥٠، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ٢١٧ - ٢١٨.
(٤) في ك ٢: "عقدها" وهو تحريف، والعُقْرُ: ما تُعطاه المرأة على وطء الشبهة (النهاية ٣/ ٢٧٣)، ومنه حديث الشعبي: "ليس على زان عُقْر" أي: مهر، وهو للمغتصبة من الإماء كالمهر للحرة". (النهاية ٣/ ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>