وحديثُ تحريم التَّفاضُلِ في الوَرِقِ بالوَرِقِ، والذَّهَبِ بالذَّهَبِ، لعُبادةَ محفوظٌ عندَ أهل العلم، ولا أعلمُ أنّ أبا الدَّرداءِ روَى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّرفِ، ولا في بَيعِ الذَّهبِ بالذهبِ، ولا الوَرِقِ بالوَرِقِ حديثًا، واللهُ أعلمُ.
وكان معاويةُ يذهَبُ إلى أنّ النهيَ والتحريمَ إنّما ورَد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدِّينار المَضْروب، والدِّرهم المَضْروبِ، لا في التِّبر من الذهبِ والفضةِ بالمَضْروب، ولا في المَصُوغ بالمَضْروب. وقيل: إنّ ذلك إنّما كان منه في المَصُوغ خاصَّةً، والله أعلمُ، حتى وقَع له مع عُبادةَ ما يأتي ذكرُه في هذا الباب، وقد سأل عن ذلك أبا سعيدٍ بعدَ حينٍ، فأخبَره عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بتحريم التَّفاضُلِ في الفضَّةِ بالفضَّةِ، والذَّهبِ بالذَّهبِ؛ تِبرُهما وعَينُهما، وتِبرُ كلِّ واحدٍ منهما بعَينِه. وإنّما كان سؤالُه أبا سعيدٍ استثباتًا؛ لأنّه كان يعتقِدُ أنّ النَّهيَ إنّما ورَد في العَيْن، ولم يكنْ، واللهُ أعلمُ، عَلِمَ بالنَّهي حتى أعلَمه غيرُه. وخَفاءُ مثل هذا على مثلِه غيرُ نكيرٍ؛ لأنّه من عِلْم الخاصَّة، وذلك موجودٌ لغيرِ واحدٍ من الصحابة. ويَحتمِلُ أن يكونَ مذهبُه كان كمذهبِ ابن عبّاسٍ، فقد كان ابنُ عباسٍ - وهو بحرٌ في العلم - لا يرى بالدِّرهم بالدِّرهمين يدًا بيدٍ بأسًا حتى صرَفه عن ذلك أبو سعيد.
وذكَر الحُلْوانيُّ، قال: حدَّثنا محمَّدُ بنُ عيسى، قال: أخبَرنا هُشيمٌ، قال: أخبَرنا أبو حُرّةَ، قال: سأل رجلٌ ابنَ سيرينَ عن شيءٍ، فقال: لا علمَ لي به. فقال الرجلُ: إنِّي أحبُّ أن تقولَ فيه برأيك. قال: إنِّي أكرهُ أنْ أقولَ فيه برأي، ثم يَبدُوَ لي غيرُه فأطْلُبَكَ فلا أجِدَك، إنّ ابنَ عباسٍ قد رأى في الصَّرفِ رأيًا ثم رجع عنه.
أخبرني عبدُ الوارث بن سُفيان، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا