للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: حديثُ عُبادةَ المذكورُ في هذا الباب، وإن كانوا قد اختلَفوا في إسنادِه، فهو عندَ جماعةٍ من فقهاءِ الأمصارِ أصلُ ما تدورُ عليه عندَهم معاني الرِّبا، إلّا أنّهم اختلَفت مذاهبُهم في ذلك، على ما أوضحناه في باب ابن شهابٍ، عن مالكِ بن أوسِ بن الحَدَثان، من هذا الكتاب (١)، والحمدُ لله.

قال أبو عُمر: ولا يوجدُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ ذكَر فيه الرِّبا غيرَ هذه السِّتَّةِ الأشياءِ المذكورة في حديثِ عُبادةَ؛ وهي الذَّهبُ، والفضةُ، والبُرُّ، والشَّعيرُ، والتَّمرُ، والمِلحُ، فجعَلها جماعةُ علماءِ المُسلمين القائلين بالقياسِ أُصولَ الرِّبا، وقاسوا عليها ما أشبَهها وما كان في معناها، واستدلُّوا بقولِه في الحديث: حتى خصَّ المِلْحَ بالملح. فجعَلوا الملحَ أصلًا لكلِّ إدام، فحرَّموا التَّفاضلَ في كلِّ إدامٍ، وحرَّموا التَّفاضلَ في كلِّ مأكولٍ، على عِلَلٍ أُصولُها مُستنبطةٌ من هذا الحديث؛ فذهَب العراقيُّون إلى أنّ العلَّةَ فيها الكيلُ والوزنُ (٢)؛ لأنّ كلَّ ما ذُكِر من الأنواع السِّتّة لم تَخْلُ من كيلٍ أو وزنٍ، وكذلك جاءَ الحديثُ به نصًّا؛ قال في الذهب وفي الوَرِقِ: "وزنًا بوزنٍ". وقال في غير ذلك: "مُدْيٌ بمُدْي". ونحوَ ذلك.

وجعَل الشافعيُّ (٣) العِلَّةَ في ذلك الأكلَ لا غيرُ، إلّا في الذَّهبِ والوَرِقِ فلم يَقِسْ عليهما غيرَهما؛ لأنّهما أثمانُ المبيعات، وقِيَمُ المُتلَفات (٤). وكذلك قولُ أصحابِ مالكٍ في الذهبِ والورِقِ، وعلَّلوا الأربعةَ بأنّها أقواتٌ مُدَّخَرةٌ (٥)، فأجازوا التَّفاضلَ فيما لا يُدَّخرُ إذا كان يدًا بيدٍ، ولا بأسَ عندَهم برُمّانةٍ برُمَّانتين،


(١) وحديثه في الموطأ ٢/ ١٦٢ (١٨٥٦)، وسيأتي مع شرحه في موضعه.
(٢) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني ٥/ ٦٩، والمبسوط للسرخسي ١٢/ ١١٦، وبدائع الصنائع للكاساني ٥/ ١٨٤، والمقدّمات الممهدات لابن رشد ٢/ ٣٣.
(٣) في ق: "وسئل الشافعي فقال"، وما هنا من د ١.
(٤) ينظر: الأم للشافعي ٣/ ١٥ و ٣/ ١٠١، واختلاف العلماء للمروزي ص ٥٣٠.
(٥) ينظر: بداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٤٨، والمقدّمات الممهدات له ٢/ ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>