للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكَرنا حديثَ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ بمثلِ ذلك أيضًا (١).

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: لا تَحِلُّ الصدقةُ لمن له مئتا درهم، ولا بأسَ أن يأخذَها من له أقلُّ منها. ويَكْرَهون أن يُعطَى إنسانٌ واحدٌ من الزكاةِ مئتَي درهم، فإنْ أُعْطِيَها أجْزَأتْ عن المعطي عندَهم، ولا بأسَ أنْ يُعطَى أقلَّ من مئتَي درهمٍ (٢). وهو قولُ ابن شُبْرُمةَ.

وروَى هشامٌ، عن أبي يوسفَ، في رجلٍ له على رجلٍ مئةٌ وتسعةٌ وتسعون درهمًا، فيتَصَدَّقُ عليه من زكاتِه بدِرْهَمَين: أنّه يَقْبَلُ واحدًا، ويَرُدُّ واحدًا. ففي هذا إجازةُ أنْ يَقْبَلَ تمَامَ المئتين، وكَراهيةُ أن يَقْبَلَ ما فوقَها (٣).

وحُجَّتُهم في ذلك قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أن آخُذَ الصَّدقةَ من أغْنيائِكم وأرُدَّها في فُقَرائِكم" (٤). والغنيُّ من له مئتا درهمٍ، لوُجوب الزَّكاةِ عليه فيها؛ لأنّها لا تُؤْخَذُ إلّا من غَنِيٍّ.

وكان الثوريُّ، والحَسَنُ بن صالح بن حَيٍّ، وابنُ المبارك، وأحمدُ بن حنبل، وإسحاقُ بن راهُوَيةَ، يقولون: لا يُعطَى من الزكاة من له خمسون درهمًا أو عَدْلهُا


= أخرجه الطبراني في الأوسط ٣/ ٣٨ (٢٤٠٢)، ومحمد بن عمر أبو موسى المديني في نزهة الحفّاظ، ص ٤٧ من طريق إبراهيم بن بشار، به. ووقع فيه "إبراهيم بن يسار" بالتحتانية والمهملة بدل "بشار"، وهو تصحيف بيّن.
وأخرجه النسائي في المجتبى (٢٥٩٤)، وفي الكبرى ٣/ ٧٧ (٢٣٨٦)، وابن خزيمة في صحيحه ٤/ ١٠١ (٢٤٤٨)، والبيهقي في الكبرى ٧/ ٢٤ (١٣٥٩٠) من طريق سفيان بن عيينة، به.
(١) سلف تخريجه.
(٢) نقله عن أبي حنيفة محمد بن الحسن الشيباني في الأصل المعروف بالمبسوط ٢/ ٢٦٠، وينظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص ٤٤٩، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٧٨.
(٣) في ط: "فوقهما"، وهذا ذكره الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٨٦.
(٤) أخرجه مسلم (١٩) من حديث ابن عباس عن معاذ بن جبل، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ في فقرائهم ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>