للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقولهم: أن يُعطَى أحدٌ من الزكاةِ أكثرَ من خمسين درهمًا (١)؛ لأنّه الحدُّ بين الغنيِّ والفقيرِ عندَهم، والزكاةُ إنّما جعَلها اللهُ للفقراءِ والمساكين، وحرَّمها على الأغنياءِ، إلّا الخمسةَ الذين ذكَرهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي ذكرُهم في كتابنا هذا في موضعِه إن شاء الله تعالى.

وقال عُبيدُ الله بن الحسن: من لا يكونُ له ما يُقيمُه ويَكْفيه سنةً، فإنّه يُعطَى من الزَّكاة (٢). وما أعلم لهذا القول وجهًا، إلّا أن يكونَ صاحبُه عساهُ أخَذه من حديثِ ابن شهابٍ، عن مالكِ بن أوسِ بن الحدَثان، عن عمرَ بن الخطّاب: أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَدَّخِرُ مما أفاءَ اللهُ عليه قُوتَ سنةٍ، ثم يَجعَلُ ما سوَى ذلك في الكُرَاع والسِّلاح (٣)، مع قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨].

وقال الشافعيُّ: يُعطَى الرجلُ على قَدْرِ حاجتِه حتى يُخرِجَه ذلك من حدِّ الفَقْر إلى حدِّ الغِنَى، كان ذلك تَجِبُ فيه الزكاةُ أو لا تَجِبُ فيه الزكاةُ، ولا أَحُدُّ في ذلك حدًّا؛ ذكَره المزَنيُّ والربيعُ جميعًا عنه (٤)، ولا خلافَ عنه في ذلك. وكان الشافعيُّ يقولُ أيضًا: قد يكونُ الرجلُ بالدِّرهم غَنيًّا مع كَسْبِه، ولا يُغْنِيه الألفُ مع ضَعْفِه في نفسِه وكثرةِ عِيالِه.

وقال الطبريُّ: لا يأخُذُ من الزكاةِ من له خمسون درهمًا أو عَدْلهُا ذهبًا، إذا


(١) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص ١٥٣ (٥٦٧)، ورواية ابنه الفضل ١/ ٢٨٥ (٢٢٨)، واختلاف الفقهاء للمروزي ص ٤٤٧، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٣٩، وقد نقل ابنا الإمام أحمد عنه قوله: "لا يعطى من الزكاة أكثر من خمسين درهمًا، ولا يُعطى مَنْ عنده خمسون درهمًا أو قيمتها ذهبًا إلّا أن يكون رجلًا مديونًا، فيُعطى عن دَيْنه، وإن كان له عيالٌ أُعطيَ على كل عيِّل خمسين"، ونقل المروزي عن سفيان الثوري نحو ذلك.
(٢) نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٧٩.
(٣) أخرجه البخاري (٢٩٠٤) و (٤٨٨٥)، ومسلم (١٧٥٧).
(٤) نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٧٩، وقال: ذكره المزني والربيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>