للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان على التَّصرُّفِ بها قادِرًا، حتى يَسْتَغْنيَ عن الناس، فإذا كانَ كذلك حَرُمَتْ عليه الصدقةُ. وأمّا إذا صَرَف الخمسين دِرْهمًا في مسكنٍ، أو خادم، أو ما لا يَجِدُ منه بُدًّا، وليسَ له سواها، وكان على التَّصَرُّفِ بها غيرَ قادرٍ، حلَّتْ له الزَّكاةُ بحديثِ ابنِ مسعودٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الخمسين درهمًا (١). وذكَر حديثَ قَبيصةَ بنِ المُخارِقِ: "لا تَحِلُّ المسألةُ لمن له سِدادٌ من عيشٍ أو قِوامٌ من عيشٍ" (٢). فكأنّه جعَل السِّدادَ الخمسين درهمًا المذكورةَ في حديث ابن مسعودٍ، والله أعلمُ، هذا المعنى من ظاهر قوله هذا.

قال أبو عُمر: ليس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابةِ في هذا الباب شيءٌ يَرفَعُ الإشكالَ، ولا ذكَر أحدٌ عنه ولا عنهم في ذلك نصًّا غيرَ ما جاءَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من كراهية السُّؤالِ، وتحريمِه لمن ملَك مقدارًا ما، في آثارٍ كثيرةٍ مختلفةِ الألفاظ والمعاني، فجعَلها قومٌ من أهلِ العلم حدًّا بين الغنيِّ والفقير، وأبَى ذلك آخرون، وقالوا: إنّما فيها تحريمُ السُّؤالِ أو كراهيتُه، فأمّا مَن جاءَه شيءٌ من الصَّدقاتِ عن غير مسألةٍ، فجائزٌ له أخذُه واكلُه، ما لم يكنْ غنيًّا الغِنَى المعروفَ عندَ الناس، فتَحرُمُ عليه حينئذٍ الزَّكاةُ دونَ التَّطوُّع.

ولا خلافَ بين علماءِ المسلمين أنّ الصدقةَ المفروضةَ لا تَحِلُّ لغَنيٍّ، إلّا ما ذُكِرَ في حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، على ما يأتي ذكرُه إن شاء اللهُ في موضعِه من كتابنا هذا (٣).


(١) ينظر تهذيب الآثار لابن جرير الطبري ١/ ٥٥، وحديث ابن مسعود سلف تخريجه.
(٢) سيأتي تخريجه بعد قليل.
(٣) حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٧ (٢٨٥٠)، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لأناس من الأنصار سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده: "ما يكون عندي من خير فلن أدَّخره عنكم، ومن يستعفف يُعفَّه الله ... "، وسيأتي مع تمام الكلام عليه في باب الزهري عن عطاء من هذا الكتاب، وهو في الصحيحين: البخاري (١٤٦٩) ومسلم (١٠٥٣) من طريق مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>