للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَفوا في صَدَقةِ التَّطوُّع هل تَحِلُّ للغنيِّ؟ فمنهم مَن رأى التَّنزُّهَ عنها، ومنهم مَن لم يرَ بها بأسًا إذا جاءَتْ من غير مسألةٍ؛ لقوله (١) - صلى الله عليه وسلم - لعُمرَ: "ما جاءَك من غيرِ مسألةٍ، فكُلْه وتَمَوَّلْه؛ فإنَّما هو رزقٌ ساقَه اللهُ إليك" (٢)، مع إجماعِهم على أنّ السؤالَ لا يَحِلُّ لغنيٍّ معروف الغِنَى. وأكثرُ من كَرِه صدقةَ التَّطوُّع إنّما كَرِهَها من أجل الامتنان، ورأوا التَّنزُّهَ عن التَّطوُّع من الصَّدقات؛ لِمَا يَلْحقُ قابِضَها من ذُلِّ النَّفسِ والخضوع لمُعطِيها. ونزعوا، أو بعضُهم، بالحديث: "إنّ الصدقةَ أوساخُ الناسِ يَغسِلُونَها عنهم" (٣). فرأوا التَّنزُّهَ عنها، ولم يُجيزُوا أخذَها لمن اسْتَغْنَى عنها بالكَفاف، ما لم يُضْطَرُّوا إليها؛ حتى لقد قال سفيانُ رحمه الله: جوائزُ السلطان أحبُّ إليَّ من صِلاتِ الإخوان؛ لأنهم يَمُنُّون.

قال أبو عُمر: ويَحتمِلُ مع هذا أنّه رأى أنّ له في بيتِ المالِ حقًّا.

والآثارُ المرويّةُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في كراهيةِ السؤالِ مطلَقًا، أو لمَن ملَك مقدارًا ما، كثيرةٌ جدًّا؛ منها:

حديثُ الأسديِّ المذكورُ في هذا الباب لمالكٍ، عن زيدِ بن أسلمَ.

ومنها: حديثُ أبي سعيدٍ على ما تقدَّم، وفيها جميعًا ذِكْرُ الأُوقيةِ أو عَدْلِها (٤).


(١) من هنا إلى نهاية الحديث من خ.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٨ (٢٨٥٢) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلًا، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "فأمّا ما كان عن غير مسألةٍ فإنما هو رزق يرزقكه الله"، وسيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٦٠١ (٢٨٥٨) عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم من قوله.
(٤) في ق: "وأما الآثار المروية في هذا الباب: حديث الأسدي، وحديث أبي سعيد الخدري الأوقية أو عدلها ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>