للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسُّؤالُ عندَ أهلِ العلم مَكرُوهٌ لمن يَجِدُ منه بُدًّا على كلِّ حالٍ.

رَوَينا عن ابن عباسٍ من وُجوهٍ أنّه أوصاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان في وَصِيَّتِه له: "إذا سَألْتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ بالله" (١).

وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأنْ يأخُذَ أحَدُكم حَبْلًا فيَحْتَطِبَ على ظَهْرِه، خيرٌ له من أن يَسْألَ الناسَ أعطَوه أو مَنَعوه" (٢).

قال أبو عُمر: وما زال ذَوُو الهِمَم والأخطارِ من الرِّجال يتنَّزهُون عن السُّؤال. ولقد أحسنَ أبو الفضلِ أحمدُ بن المعَذَّلِ بن غَيْلانَ العَبْديُّ الفَقيهُ المالكيُّ حيث يقولُ:

التَمِسِ الأرزاقَ عندَ الذي ... ما دُونَه إنْ سِيلَ من حاجبِ

مَن يُبْغِضُ التارِكَ عن سُؤْلِه ... جُودًا ومَن يَرضَى عن الطالبِ

ومَن إذا قال جرَى قولُه ... بغيرِ تَوقيعٍ إلى كاتبِ

قال أبو عُمر: كان أحمدُ بن المعَذَّلِ شاعرًا فقيهًا ناسكًا، وكان أخُوه عبدُ الصَّمدِ شاعرًا ماجِنًا، ولأحمدَ قَصِيدَتُه المشهورةُ في فضلِ الرِّباط.


(١) أخرجه ابن وهب في القدر (٢٨)، وأحمد في المسند ٤/ ٤٠٩، ٤١٠ (٢٦٦٩)، والترمذي (٢٥١٦)، وابن أبي عاصم في السنة (٣١٦) معلّقًا، والفريابي في القدر (١٥٣)، وأبو يعلى في مسنده ٤/ ٤٣٠ (٢٥٥٦)، والطبراني في المعجم الكبير ١٢/ ٢٣٨ (١٢٩٨٨) من طرق عن الليث بن سعد عن قيس بن الحجّاج، عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس مرفوعًا. وللحديث طرق كثيرة ذكر بعضًا منها ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم ١/ ٤٦٠، ٤٦١ فقال: "وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طُرق كثيرة من رواية ابنه عليٍّ ومولاه عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن عبد الله، وعمر مولى غفرة، وابن أبي مليكة وغيرهم. وأصحُّ الطُّرق كلها طريق حنش الصنعاني التي خرّجها الترمذي، كذا قال ابن مندة وغيرُه". قلنا: قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٨ (٢٨٥٣) عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي مع تمام تخريجه في باب أبي الزناد من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>