للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرُها أو قليلُها. وفي اللُّغة قد يُسمَّى العنبُ خَمْرًا (١)، لكنّ الحكمَ إنما يتَعلَّقُ بالاسم الشَّرعيِّ دونَ اللُّغويِّ.

وفيه أنّ النهيَ من قِبَل الله إذا ورَد، فحكمُه التحريمُ البَحْتُ (٢)، إلّا أنْ يُزِيحَه عن ذلك دليلٌ يُبيِّنُ المرادَ منه، ألا ترَى إلى قول رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمَا عَلِمْتَ أنَّ اللهَ حرَّمها؟ ". ثم قال: "إنّ الذي حرَّم شُرْبَها حرَّم بيعَها" فأطلَق عن الله تحريمَها.

ولا خلافَ بين علماءِ المسلمين أنّ تَحرِيمَها إنّما ورَد في سورةِ "المائدة" بلفظِ النَّهي، في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}، إلى: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وإلى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠ - ٩١]. وهذه الآيةُ نسَخَتْ كلَّ لفظٍ ورَد بإباحَتِها نصًّا أو دليلًا، فنَسَخَتْ ما جرَى من ذكرها في سور "البقرة" (٣)، وسورة "النّساء" (٤)، وسورة "النحل" (٥). والأمَّةُ مُجْمِعةٌ على أنّ


(١) وذلك لكونها منه، حكاه أبو حنيفة، قال: وهي لغة يمانية. وقال في قوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ} [يوسف: ٣٦]: إنّ الخمر هنا: العنبُ، وأراه سّماها باسم ما في الإمكان أن تؤول إليه، والعرب كثيرًا ما تسمِّي الشيء باسم ما يؤول إليه. نقله عنه ابن سيده في المحكم ٥/ ١٨٥، وينظر "اللسان" (خمر).
(٢) والبَحْتُ من كلِّ شيءٍ الخالص. ينظر العين للخليل (بحت)، والدلائل في غريب الحديث لأبي محمد السرقسطي ٢/ ٤٦١.
(٣) يعني قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} الآية (٢١٩) من السورة نفسها. وينظر في ذلك: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص ٢٤٨.
(٤) يعني قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} الآية (٦٧) من السورة نفسها. وينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١٤٧.
(٥) يعني قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية (٤٣) من السورة نفسها. وينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١٤٧، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ٢/ ٣٧٤ - ٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>