للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمرَ العِنَبِ حرامٌ في عَينِها، قليلِها وكثيرِها، فأغنَى ذلك عن الإكثار فيها، وقد تقدَّم في كتابِنا هذا، في باب إسحاق في ذلك ما فيه كفايةٌ (١)، إن شاء الله تعالى.

وفي هذا الحديث دليلٌ أنّ الخمرَ لم تكنْ حَرامًا حتى نزَل تحريمُها. وفي سياقةِ الحديثِ ما يَدُلُّ على أنّ ما سكَت اللهُ عن تحريمِه فحلالٌ، فإنّ أصلَ الأشياءِ على الإباحةِ حتى يَرِدَ المنعُ، ألا ترَى أنَّ المُهدِيَ لراويةِ الخَمْر في هذا الحديثِ إنّما أهداها اعتقادًا منه للإباحةِ، ولا خلافَ بينَ أهلِ الإسلام أنّ الخمرَ لم يُنزِّلِ اللهُ في كتابه أنّه أمَر بشربِها، ثم نسَخ ذلك بتحريمِها، وفي إجماعِهم على ذلك دليلٌ على صحَّةِ ما قُلْنا، وأنّ ما عفا اللهُ عنه وسكَت، فداخلٌ في باب الإباحة، ألا ترَى إلى قولِ سعيدِ بن جُبيرٍ حيثُ قال: كان الناسُ على أمر جاهليَّتِهم حتى يُؤْمَروا أو يُنْهَوا (٢).

وسؤالُ الصَّحابةِ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمرِ في أوَّلِ الإسلام إنّما كان لِما كانوا يُحْدِثونَه من الشَّرِّ والسَّفَهِ عندَ شُربِها، على ما جاءَ مَنصوصًا في الآثارِ في تفسيرِ قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩].

وفيه أيضًا دليلٌ على أنّ كلَّ ما لا يجوزُ أكلُه أو شُرْبُه من المأكولاتِ والمشروبات، لا يجوزُ بيعُه، ولا يَحِلُّ ثمنُه؛ لقوله عليه السلام: "إنّ الذي حرَّم شُربَها حرَّم بيعَها". ويُوضِّحُ ذلك قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حيثُ قال: "لعَن اللهُ


(١) تقدم في الحديث الرابع من حديث إسحاق بن عبد الله.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في التفسير ٣/ ١١٤٣ (٥٥٤)، وابن جرير الطبري في تفسيره ٧/ ٥٣٧، وابن المنذر في التفسير ٢/ ٥٥٤ (١٣٢٦)، وابن أبي حاتم في التفسير ٣/ ٨٥٩ (٤٧٥٧) من طريق حمّاد بن زيد عن أيوب السختياني، عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>