للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طَهُرَ" نصٌّ ودليلٌ، فالنصُّ (١): طهارةُ الإهابِ بالدِّباغ، والدَّليلُ منه أنّ كلَّ إهابٍ لم يُدْبَغْ فليس بطاهرٍ، وإذا لم يكنْ طاهرًا فهو نَجِسٌ، والنَّجَسُ رِجْسٌ مُحَرَّمٌ، فبهذا عَلِمنا أنّ المقصودَ بذلك القولِ جلودُ الميْتَة. وإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديثُ مُعارِضًا لروايةِ من روَى في الشاةِ الميْتَة: "إنّما حُرِّم أكلُها" (٢)، ولرواية من روَى: "إنّما حُرِّم لَحْمُها" (٣)، ومبيِّنًا لمراد الله تعالى في قوله عزَّ وجلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣]. كما كان قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا قَطْعَ إلّا في رُبُع دينارٍ فصاعدًا" (٤)، بيانًا لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]. وبطَل بنَصِّ هذا الحديث قولُ مَن قال: إنّ الجِلْدَ من الميتةِ لا يُنتَفَعُ به بعدَ الدِّباغ، وبطَل بالدَّليل منه قولُ مَن قال: إنّ جلدَ الميتةِ وإن لم يُدْبَغْ يُستَمْتَعُ به ويُنتَفَعُ؛ وهو قولٌ رُوِي عن ابن شهابٍ والليث بن سعدٍ، وهو مشهورٌ عنهما، على أنّهما قد رُوِيَ عنهما خلافُه، والأشْهَرُ عنهما ما ذكرنا (٥).

ذكَر عبدُ الرَّزَّاق (٦)، عن معمرٍ، عن الزهريِّ، عن عُبيدِ الله بن عبدِ الله،


(١) في م: "فالنص منه"، والمثبت من ق.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٦٤٢ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس، وسيأتي مع تمام تخريجه في باب ابن شهاب عن عبيد الله.
(٣) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٤) أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في صحيحه ١٠/ ٣١٥ (٤٤٦٥)، وهو في الصحيحين: البخاري (٦٧٨٩)، ومسلم (١٦٨٤) بلفظ: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا".
(٥) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٢/ ٤٠٠ - ٤٠٢ حيث ذكر فيه اختلاف الروايات في ذلك عن الزهري. ونقل الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء الروايتين في ذلك عن الليث ١/ ١٦٠، وقال: "لم نجد عن أحد من العلماء جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ" يعني: ولم نجده إلّا عن الليث. وسيأتي المصنف على قول أبي جعفر الطحاوي هذا في الآتي من شرحه، ص ٢٢٩.
(٦) في المصنف ١/ ٦٢ (١٨٤)، وأخرجه أحمد في المسند ٥/ ٤١٥ (٣٤٥٢)، وعبد بن حميد في المنتخب ١/ ٢١٨ (٦٥١) عن عبد الرزاق، به. =

<<  <  ج: ص:  >  >>