للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيعِ جلدِ الميتةِ قبلَ الدِّباغِ وبعدَ الدِّباغ. قال ابنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: وهو قولُ الزهريِّ والليثِ بن سعدٍ. قال: والظاهرُ من مذهبِ مالكٍ غيرُ ما حكاه ابنُ عبدِ الحكم: وهو أنّ الدّباغَ لا يُطَهِّرُ جلدَ الميْتةِ، ولكنْ يُبيحُ الانتفاعَ به في الأشياء، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُؤكلُ فيه، هذا هو الظاهرُ من مذهب مالكٍ.

وفي "المدوَّنة" (١) لابن القاسم: من اغْتَصَب جلدَ ميْتةٍ غيرَ مدبوغ فأتلَفه، كان عليه قيمَتُه، وحكَى أنّ ذلك قولُ مالكٍ. وذكَر أبو الفَرج أن مالكًا قال: مَن اغْتصَب لرجلٍ جلدَ مَيْتةٍ غيرَ مَدْبوغ، فلا شيءَ عليه. قال إسماعيلُ: إلّا أن يكونَ لمجوسيٍّ (٢).

قال أبو عُمر: ليس في تَقصيرِ مَن قصَّر عن ذكرِ الدِّباغ في حديث ابن عباسٍ حُجّة على مَن ذكَره؛ لأنّ من أثبَت شيئًا هو حجّةٌ على مَن لم يُثْبِتْه، والآثارُ المتواتِرَة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بإباحةِ الانتفاع بجلدِ الميتَةِ بشرطِ الدِّباغ كثيرةٌ جدًّا؛ منها ما ذكَرنا عن ابن عباسٍ، من روايةِ ابن وَعْلَة، ومن روايةِ عطاءٍ. ومنها حديثُ عائشةَ، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَر أن يُسْتَمْتَع بجُلودِ الميتةِ إذا دُبِغَت. رواه مالكٌ (٣)، عن يزيدَ بن قُسَيْطٍ، عن محمدِ بن عبد الرحمن بن ثَوبانَ، عن أُمِّه، عن عائشةَ.

وروى إسرائيلُ، عن الأعمش، عن إبراهيمَ، عن الأسود، عن عائشةَ قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "دباغُ جلْدِ الميْتةِ ذَكاتُها" (٤).


(١) المدوّنة ٤/ ١٨٧.
(٢) ذكره والذي قبله القرافي في الذخيرة ٨/ ٢٧٦.
(٣) في الموطأ ١/ ٦٤٢ (١٤٣٨)، وسيأتي مع تمام تخريجه في باب يزيد بن عبد الله بن قسيط.
(٤) إسناده صحيح، أخرجه النسائي في المجتبى (٤٢٤٧)، وفي الكبرى ٤/ ٣٨٤ (٤٥٥٩)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار ٢/ ٨١٣ (١٢٠٠)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٤٧٠ (٢٧٠٥) من طريق إسرائيل، به. ولفظ النسائي والطحاوي: "ذكاة الميتة دباغها".

<<  <  ج: ص:  >  >>