للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: ما أنكَره أحمدُ من قولِ القائل: إنّ جُلودَ الثعالبِ لا يُقالُ للجلدِ منها: إهابٌ. هو قولٌ يُحكَى عن النَّضر بن شُمَيل، أنّه قال: إنّما الإهابُ جلدُ ما يُؤكَلُ لحمُه من الأنعام، وأمّا ما لا يُؤكَلُ لحمُه فإنّما هو جلدٌ ومَسْكٌ (١). وقد أنكَرت طائفة من أهلِ العلم قولَ النَّضر بن شُميل هذا، وزعَمت أن العربَ تُسَمِّي كلَّ جلدٍ إهابًا، واحتَجَّت بقولِ عَنْترة (٢):

فشَكَكْتُ بالرُّمح الطَّويل إهَابَه ... ليس الكَريمُ على القَنا بمُحَرَّمِ

واختَلَف الفقهاءُ أيضًا بعدَ ما ذكَرْناهُ في حُكْم طَهارةِ الجِلْدِ المذكورِ بعدَ الدِّباغ، هل هي طهارةٌ كاملةٌ في كلِّ شيءٍ كالمُذَكَّى؟ أو هي طهارَةُ ضرورةٍ تُبيحُ الانتفاعَ به في شيءٍ دونَ شيءٍ؟ فذكَر أبو عبدِ الله محمدُ بنُ نصرٍ المرْوَزِيُّ قال: وإلى جوازِ الانتفاع بجلودِ الميْتَةِ بعدَ الدِّباغ في كلِّ شيءٍ من البيع وغيرِه، وكراهيةِ الانتفاع بها قبلَ الدِّباغ، ذهَب أكثرُ أهلِ العلم من التابعين، وهو قولُ يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ وعامَّةِ علماءِ الحجاز.

وقال: حدَّثنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن وَهْب، عن حَيوةَ بن شُريح، عن خالدِ بن أبي عِمْرانَ، قال: سألتُ القاسمَ وسالمًا عن جُلُود الميتةِ إذا دُبِغت، أيَحِلُّ ما يُجْعَلُ فيها؟ قالا: نعم، ويَحِلُّ ثمَنُها إذا بَيَّنْتَ ممّا كانت (٣).


(١) نقله عنه إسحاق بن منصور الكوسج في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٢/ ٨٢٨ (٤٨١)، والترمذي في جامعه بإثر الحديث (١٧٢٨)، وقد سلف تعليقنا على هذا القول فيما مضى بتفصيل أوسع فليراجع هناك. والمَسْك: الجلد، فهو من المترادفات.
(٢) البيت في ديوانه، ص ٢١٠، وفي أشعار الشعراء الستة الجاهليين للشنتمري ص ٧٨.
(٣) وأخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار ٢/ ٨٣٢ (١٢٣٦) من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة بن شريح، به، وفي آخره بلفظ: "إذا بانَتْ ممّا كانت".

<<  <  ج: ص:  >  >>