للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدَّثنا عبدُ الوارث، قال: حدَّثنا قاسمٌ، قال: حدَّثنا مُطَّلبُ بن شُعيبٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن صالح، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، قال: حدَّثني هشامٌ، قال: حدَّثني زيدُ بن أسلَمَ، عن ابن وَعْلَةَ السَّبَئيِّ، أنّه قال: سألتُ عبدَ الله بن عباس عن أسقيةٍ نَجِدُها بالمغرب في مغازِينا، فيها السَّمْنُ والزَّيتُ لعلَّها تكونُ مَيْتةً، أفنَأْكلُ منها؟ قال: لا أدْري، ولكن سمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ" (١).

فهذه الآثارُ كلُّها عن ابن عباسٍ تَدُلُّ على أنّه فَهِمَ من الخبرِ معنَى عمومِ الانتفاع به، وحمَل الحديثَ على ظاهرِه وعُمومِه، وإنّما سُئِل عن الشربِ فيها ونحوِ ذلك، فأطْلَق الطهارةَ عليها إطلاقًا غيرَ مُقَيَّدٍ بشيءٍ، ولم تَختَلِفْ فَتْوَى ابن عباسٍ وأصحابِه: أنّ دِباغَ الأديم طَهورُه. وكذلك لم يَختَلِفْ قولُ ابن مسعودٍ وأصحابه في ذلك (٢). وكان مالكٌ وأصحابُه حاشا ابنَ وهبٍ يَرَوْن أن يُنْتَفَعُ بجلودِ الميتةِ إذا دُبِغَتْ في الجلوس عليها، والعمل والامتهانِ في الأشياءِ اليابسةِ؛ كالغَرْبَلةِ وشِبْهها، ولا تُباعُ، ولا يُتَوضَّأُ فيها، ولا يُصَلَّى عليها؛ لأنّ طَهارتَها ليست بطهارةٍ كاملةٍ (٣). ومن حُجَّتِهم أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ حرَّم الميْتةَ، فثَبَت تحريمُها بالكتاب، وأباحَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الاستِمتاعَ بجِلْدِها والانتفاعَ به بعدَ الدِّباغ.

وروَى مالكٌ (٤)، عن يزيدَ بن قُسَيْطٍ، عن محمدِ بن عبد الرحمن بن ثَوبانَ،


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٣٨٢ (١٨٩٥)، ومسلم (٢٢٦٩)، وأبو داود (٤١٢٣)، والترمذي (١٧٢٨)، والنسائي (٤٢٤١) من طريق زيد بن أسلم، وفي إسناده هشام وهو ابن سعد المدني، أبو عبّاد ضعيف يعتبر به في المتابعات كما في تحرير التقريب ٤/ ٣٩، وقد تابعه سفيان بن عيينة فعُلم أنّ هذا من صحيح حديثه.
(٢) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٢/ ٣٩٧.
(٣) ينظر: المدوَّنة ٣/ ٤٣٨، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ٨٥، ٨٦.
(٤) في الموطأ ١/ ٦٤٣ (١٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>