للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبَرنا عبدُ الرحمن بن يحيى ويحيى بنُ عبدِ الرحمن، قالا: حدَّثنا أحمدُ بن سعيدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن أحمدَ بن الزَّرَّاد، قال: حدَّثنا ابنُ وضَّاح، قال: سألتُ سُحْنُونًا عن لُبسِ الفِراءِ الفَنَكيات (١)، وقلتُ: إنّه بلَغني عنك فيها شيءٌ، وقلتُ: إنّهم ليس يَغسِلُونها، إنّما يَذْبحُونها فيَدْبُغُونها بذلك الدَّم. قال: وما ذلك الدَّمُ؟ قال: أليس يسيرًا؟ قلتُ: بلى. قال: أوليس يذهَبُ مع الدِّباغ؟ قلتُ: بلى. قال: لا بأسَ به، إذا دُبغَ الإهابُ فقد طَهُرَ.

واختَلَف الفقهاءُ في الدِّباغ الذي يُطَهَّرُ به جُلودُ الميْتةِ، ما هو؟ فقال أصحابُ مالكٍ، وهو المشهورُ من مذهبه: كلُّ شيءٍ دُبِغ به الجلدُ من مِلْحٍ، أو قَرَظٍ، أو شَبٍّ (٢)، أو غيرِ ذلك، فقد جاز الانتفاعُ به. وكذلك قال أبو حنيفةَ وأصحابُه: إنّ كلَّ شيءٍ دُبغ به جلدُ الميْتةِ، فأزالَ شعَرَه ورائحتَه، وذهَب بدَسَمِه ونَشَّفَه، فقد طَهَّره، وهو بذلك الدِّباغ طاهر، وهو قولُ داودَ (٣).

وذكَر ابنُ وَهْب، قال: قال يحيى بن سعيدٍ: ما دُبِغَتْ به الجُلودُ من دقيقٍ، أو قَرَظٍ، أو مِلح، فهو لها طَهُورٌ. وللشافعيِّ في هذه المسألة قولان: أحدُهما هذا، والآخرُ أنّه لا يُطَهِّرُه إلّا الشَّبُّ، أو القَرَظُ؛ لأنّه الدِّباغُ المعهودُ على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الذي خرَج عليه الخطابُ (٤)، واللهُ الموفِّق.


(١) في المطبوع: "القلنيات"، وفي ط: "القلينات" وكله تحريف صوابه ما أثبتنا من د ١، وهو جمع الفنك: حيوان يشبه الثعلب، وفراؤه جيد، وجاء في مسائل الإمام أحمد وابن راهوية ٢/ ٨٤١ (٤٩٣): "قال إسحاق: وأما ما سألت عن الصلاة في الثعالب والفَنَك ... إلخ " وفي حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح، ص ٥٣٠: الفنك: حيوان يشبه الثعلب، وتنظر معجمات اللغة في "فنك".
(٢) القَرَظُ: ورق السَّلَم يُدبغ به. والشَّبُّ: نوع من الجواهر التي أنبتها الله تعالى في الأرض يُدبغ به يُشبه الزاج، قاله الهروي في الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، باب ما يُفسد الماء ص ٣٩.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٦٠، والمحلّى لابن حزم ١/ ١١٨، وبدائع الصنائع للكاساني ١/ ٧٣.
(٤) ينظر: الأم للشافعي ١/ ٢٢، والمجموع شرح المهذب للنووي ١/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>