للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أباحَ الانتفاعَ بجلدِ الميتةِ المدبوغِ إذا كان ممّا يُؤكلُ لحمُه؛ لأنّ الخطابَ الواردَ في ذلك إنّما خرَج على شاةٍ ماتَتْ لبعض أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فدخَل في ذلك كلُّ ما يُؤكلُ لحمُه، وما لم يُؤكلْ لحمُه فداخلٌ في عموم تحريمِ الميتَةِ. واستدلُّوا بقولِ أكثرِ العلماء في المَنعْ من جلدِ الخِنْزير بعدَ الدِّباغ؛ لأنّ الذَّكاةَ غيرُ عاملةٍ فيه. قالوا: وكذلك السِّباع لا تَعمَلُ فيها الذَّكاةُ؛ لنَهْي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكْلِها (١)، ولا يَعمَلُ فيها الدِّباغُ؛ لأنّها مَيْتةٌ، لم يَصِحَّ خصوصُ شيءٍ منها. وزعَموا أنّ قولَ مَن أجاز الانتفاعَ بجلدِ الخنزيرِ بعدَ الدِّباغ شذوذٌ لا يُعَرَّجُ عليه.

وحكَى إسحاقُ بن منصورٍ الكَوْسَجُ (٢)، عن النَّضْرِ بن شُمَيْل، أنّه قال في قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طَهُرَ": إنّما يقالُ الإهابُ للإبل (٣) والبقر والغنم، وأمّا السِّباعُ فجلودٌ. قال الكَوْسَجُ: وقال لي إسحاقُ بن راهُويَة: هو كما قال النَّضْرُ بنُ شُمَيل.

وحجَّةُ الآخرين قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طَهُر" فعَمَّ الأُهُبَ كلَّها، فكلُّ إهابٍ داخلٌ تحتَ هذا الخطاب، إلّا أنْ يَصحَّ إجماعٌ في شيءٍ من ذلك فيَخْرُجَ من الجُملة. وبالله التوفيق.


(١) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: أكلُ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع حرام" أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٦٤١ (١٤٣٣) عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخُشَني رضي الله عنه، ومن طريق مالك، به أخرجه البخاري (٥٥٣٠)، ومسلم (١٩٣٢). وأخرجه مالك في الموطأ ١/ ٦٤١ (١٤٣٤) عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عَبيدة بن سفيان الحضرميّ عن أبي هريرة، مرفوعًا. ومن طريقه مسلم (١٩٣٣).
(٢) في مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية له ٢/ ٨٣٢ (٤٨١). وليس في المطبوع منه في آخره قول الكوسج: "هو كما قال النضر بن شُميل"، ولكن نقله عنه ابن رشد في البيان والتحصيل ١/ ١٠٢ وزاد: وقال أحمد بن حنبل: لا أعرف ما قال النضر.
(٣) في ق: "لجلود الإبل"، وما هنا يعضده ما في مسائل الإمام أحمد ٢/ ٨٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>