للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرَّهْنُ، ويؤَدَّبُ فاعلُ ذلك، إلّا أن يُعْذَرَ بجَهالةٍ؛ لأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حرَّمَ كلَّ ذي نابٍ مِن السِّباع، فليستِ الذَّكاةُ فيها ذكاةً، كما أنّها ليست في الخنزير ذَكاة (١).

قال أبو عُمر: قولُ أشهبَ هذا هو قولُ أكثرِ الفقهاء وأهلِ الحديث.

وقال الشافعيُّ (٢): جلودُ الميْتةِ كلُّها تَطْهُرُ بالدِّباغ، وكذلك جِلدُ ما لا يُؤْكَلُ لحمُه إذا دُبغَ، إلّا الكلبَ والخنزيرَ، فإنّ الذَّكاةَ والدِّباغَ لا يَعْمَلان في جُلودِهما شيئًا.

قال أبو عُمر: ولا تَعملُ الذَّكاةُ عند الشافعيِّ في جلدِ ما لا يُؤْكَلُ لحمُه، وقد تقدَّم في باب إسماعيلَ بن أبي حكيم اختلافُ العلماءِ فيما يُؤْكَلُ لحمُه وما لا يُؤْكَلُ من السِّباع.

وحُكِيَ عن أبي حَنيفةَ أنّ الذَّكاةَ عندَه عاملةٌ في السِّباع والحُمُرِ لجُلُودِها، ولا تَعملُ الذَّكاةُ عندَه في جِلْدِ الخِنْزيرِ شيئًا، ولا عندَ أحدٍ من أصحابه. وكَرِه الثوريُّ جُلودَ الثَّعالبِ والهرِّ وسائرِ السِّباع، ولم يرَ بأسًا بجلودِ الحَمِير (٣).

قال أبو عُمر: هذا في الذَّكاةِ دونَ الدِّباغ، وأمّا الدِّباغُ فهو عندَه مُطَهِّرٌ لجلودِ الثَّعالب وغيرِها.

وقالت طائفةٌ من أهل العلم: لا يجوزُ الانتفاعُ بجلودِ السِّباع، لا قبلَ الدِّباغ ولا بعدَه، مَذبوحةً كانت أو ميِّتةً. وممّن قال هذا القولَ: الأوزاعيُّ، وابنُ المبارك، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، ويزيدُ بن هارون (٤)، واحتجُّوا بأنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إنّما


(١) ينظر: المدوَّنة ٤/ ١٦١، والبيان والتحصيل لابن رشد ١/ ١٠١.
(٢) في الأم ١/ ١١١.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٦٠ - ١٦١، والأوسط لابن المنذر ٢/ ٤٣٦ - ٤٤١، والمبسوط للسرخسي ١/ ٢٠٢.
(٤) ينظر الأوسط لابن المنذر ١/ ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>