للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابنُ القاسم، عن مالكٍ، أنّه خفَّفَ الذَّكاةَ في جُلودِ السِّباع، وكَرِه جُلودَ الحميرِ المذَكّاة. قال ابنُ القاسم: أمّا جلدُ السَّبُع والكلب إذا ذُكِّيَ، فلا بأسَ ببَيْعه، والشُّرب فيه، والصَّلاة به (١).

قال أبو عُمر: الذَّكاةُ عندَ مالكٍ وابن القاسم عاملةٌ في السِّباع لجلودِها، وغيرُ عاملةٍ في الحميرِ والبغالِ لجلودِها، والنَّهْيُ عندَ جمهورِ أهلِ العلم عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ مِن السِّباع أقوَى من النَّهْيِ عن أكلِ لحومِ الحُمُر؛ لأنّ قومًا قالوا: إنّ النَّهْيَ عن الحُمُرِ إنّما كان لقِلَّةِ الظَّهْر. وقال آخرون: إنّما نُهي منها عن الجَلّالة. ولم يَعْتَلّ بمِثْل هذه العِلَل في السِّباع.

وقال عبدُ الملك بن حَبيب: لا يجوزُ بيعُ جلودِ السِّباعِ ولا الصلاةُ فيها وإن دُبِغَتْ إذا لم تُذَكَّ. قال: ولو ذُكِّيتْ لجلودِها لحَلَّ بيعُها والصلاةُ فيها (٢). جعَل التَّذكِيَة في السِّباع لجلودِها أكملَ طهارةً من دِباغِها، وهذا على ما ذكَرنا من أصولِهم في أنّ الذَّكاةَ عاملةٌ في السِّباع لجُلُودِها، وأنّ طَهارةَ الدِّباغ ليست عندَهم طهارةً كاملةً، ولكنّها مُبيحةٌ للانتفاع فيما ذكَروه على ما تقدَّم ذِكرُه في هذا الباب. وهذا هو المشهورُ من مذهبِ مالكٍ وأصحابِه.

وأمّا أشهَبُ، فقال: جِلْدُ الميْتةِ إذا دُبغ لا أكْرَهُ الصلاةَ فيه ولا الوضوءَ منه، وأكْرَهُ بَيْعَه ورَهْنَه، فإنْ بِيع أو رُهِن لم أفْسَخْه. قال: وكذلك جلودُ السِّباع إذا ذُكِّيَتْ ودُبِغَتْ، وهي عندي أخفُّ لموضع الذَّكاةِ مع الدِّباغ، فإن لم تُذَكَّ جلودُ السِّباع، فهي كسائر جُلودِ الميتةِ إذا دُبِغَتْ. قال أشهَبُ: وأمّا جلودُ السِّباع إذا ذُكِّيَتْ ولم تُدْبَغْ، فلا يجوزُ بيعُها، ولا ارتهانُها، ولا الانتفاعُ بشيءٍ منها، ويُفْسَخُ البيعُ فيها


(١) ينظر: المدوَّنة ١/ ١٨٣.
(٢) ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد ١/ ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>