للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عبد الرحمن بن وَعْلَةَ، أنّه قال لابن عبّاسٍ: إنّا قومٌ نَغْزُو أرضَ المغرب، وإنّما أسْقيَتُنا جلودُ الميْتةِ؟ فقال ابنُ عبّاس: سمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "أيُّما مَسْكٍ (١) دُبغ فقد طَهُرَ" (٢).

حمَلُوه على العُموم في كلِّ جِلْدٍ.

قال أبو عُمر: يَحتمِلُ أن يكونَ أراد بهذا القول عُمومَ الجُلُود المعهود الانتفاعُ بها، وأمّا جلدُ الخِنْزيرِ فلم يَدْخُلْ في هذا المعنى؛ لأنّه لم يدخُلْ في السُّؤَال؛ لأنّه غيرُ معهودٍ الانتفاعُ بجِلْدِه، إذ لا تَعملُ فيه الذَّكاةُ، وإنَّما دخَل في هذا العُموم، واللهُ أعلمُ، من الجلود ما لو ذُكِّيَ لاسْتَغنَى عن الدِّباغ، وأمّا جلدُ الخِنْزير فالذَّكاةُ فيه والميْتةُ سواءٌ؛ لأنّه لا تَعملُ فيه الذَّكاةُ.

ودليلٌ آخرُ، وهو ما قاله النَّضْرُ بن شُمَيل: أنّ الإهابَ جلدُ البقرِ والغنم والإبل، وما عداها فإنّما يقال له: جلدٌ، لا إهَابٌ (٣).


(١) والمَسْك: الجلد، والجمع: مُسُوك. المصباح المنير (مسك) ٢/ ٥٧٣.
(٢) صحيح، أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٤٧٠ (٢٧٠١)، وفي شرح مشكل الآثار ١/ ٢٨٧ (٣٢٤٥) من طريق سعيد بن أبي مريم، به.
(٣) رواه عنه الترمذي في جامعه بإثر الحديث (١٧٢٨) قال: قال إسحاق بن إبراهيم: قال النَّضر بن شُميل؛ فذكره. وكذا نقله عنه ابن رشد في البيان والتحصيل ١٨/ ٥٧٧، ثم نقل عن أحمد بن حنبل قوله: "لا أعرف ما قال النضر" انتهى.
وقوله: هذا مخالفٌ لما ذكره عنه أبو داود في سننه بإثر الحديث (٤١٢٨) قال: قال النضر بن شُميل: يسمّى إهابًا ما لم يُدبَغْ، فإذا دُبغ لا يُقال له: إهابٌ، إنما يسمّى شَنًّا وقرْبَةً. انتهى. وقال الشوكاني في نيل الأوطار ١/ ٨٦ بعد أن ذكر رواية الترمذي ما معناه: ليس في رواية أبي داود تخصيصه بجلد المأكول، ورواية أبي داود عنه أرجح لموافقتها ما ذكره أهل اللغة كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها. والمبحثُ لغويٌّ فيُرجَّح ما وافق اللغة، ولم نجد في شيء من كتب اللغة ما يدلُّ على تخصيص الإهاب بإهاب مأكول اللحم كما رواه الترمذي. انتهى.
ينظر الصحاح ١/ ٨٦ مادة (أهب)، والقاموس المحيط ص ٦٠، فصل الباء، والنهاية في غريب الحديث ١/ ٨٣ مادة (أهب).

<<  <  ج: ص:  >  >>