للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: في هذا الحديث كراهيةُ المرورِ بين يَدَي المُصَلِّي إذا كان وحدَه وصلَّى إلى غيرِ سُترةٍ، وكذلك حكمُ الإمام إذا صلَّى إلى غير سُترةٍ. فأمّا المأمومُ، فلا يَضُرُّه مَن مرَّ بين يديه، كما أنّ الإمامَ والمنفَردَ لا يَضُرُّ أحدًا منهما ما مرَّ من وراءِ سُترته، وسُترةُ الإمام سُتر لمن خلفَه.

وإنّما قلنا: إنّ هذا في الإمام وفي المنفرِد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدُكم يُصلِّي". ومعناه عندَ أهل العلم: يُصلِّي وحدَه؛ بدليل حديث ابن عباس، وبذلك قلنا: إنّ المأمومَ ليس عليه أنْ يَدفعَ من يَمُرُّ بين يدَيه؛ لأنّ ابنَ عباسٍ قال: أقبَلْتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهَزْتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي بالناسِ بمِنًى، فمَرَرْتُ بينَ يَدَيْ بعضِ الصَّفِّ، فنزَلْتُ (١)، وأرسَلْتُ الأتانَ تَرْتَعُ، ودخَلْتُ في الصَّفِّ، فلم يُنْكِرْ ذلك عليَّ أحد. هكذا رَواه مالكٌ (٢)، عن ابن شهابٍ، عن عُبيد الله، عن ابن عباسٍ.

ألَا ترَى أنّه مرَّ بينَ يدَيْ بعض الصَّفِّ فلم يَدْرَأْه أحدٌ ولم يَدْفَعْه، ولا أنكَرَ عليه؟ فإذا كان الإمامُ أو المنفردُ مصَلِّيًا إلى سُترةٍ، فليس عليه أنْ يَدْفَعَ مَن يَمُرُّ من وراءِ سُترته. وهذه الجملةُ كلُّها على ما ذكَرْتُ لك، لا أعلمُ بين أهلِ العلم فيه اختلافًا والآثارُ الثابتةُ دالةٌ عليها.

وفي هذا الحديث أيضًا دليل على أنّ العملَ في الصلاةِ جائزٌ، والذي يجوزُ عند العلماءِ منه القليلُ، نحو قَتْلِ البُرْغوث، وحَكِّ الجسَدِ (٣)، وقَتْلِ العَقْرَب بما خَفَّ من الضَّرْبِ، ما لم تكنِ المتابعةُ والطُّولُ، والمشي إلى الفُرَج (٤) إذا كان ذلك قريبًا،


(١) سقطت هذه اللفظة من ق.
(٢) في الموطأ ١/ ٢٢١ (٤٢٦)، وسيأتي تمام تخريجه في موضعه.
(٣) في ق: "الجرب".
(٤) في ق: "القوم".

<<  <  ج: ص:  >  >>