للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودرءِ المارِّ بينَ يدَي المُصَلِّي. وهذا كلُّه ما لم يَكْثُرْ، فإنْ كَثُرَ أفسَد، وما عَلِمْتُ أحدًا من العلماءِ خالفَ هذه الجملةَ، ولا عَلِمْتُ أحدًا منهم جعَل بينَ القليل من العملِ الجائزِ في الصلاة وبين الكثيرِ المُفسدِ لها حدًّا لا يُتجاوزُ إلّا ما تَعارَفه الناسُ. والآثارُ المرفوعةُ في هذا الباب والموقوفةُ كثيرةٌ، وقد (١) ذكَرنا مِنْ فَتْل الدَّم (٢) وقتلِ القَمْلِ في الصلاةِ في باب هشامِ بن عروةَ ما فيه كفايةٌ (٣).

ومن العمل في الصلاة شيءٌ لا يجوزُ منه فيها القليلُ ولا الكثيرُ؛ وهو الأكلُ، والشُّربُ، والكلامُ عَمدًا في غير شأنِ الصلاة، وكذلك كلُّ ما بايَنَها وخالَفها؛ مِن اللَّهو والمعاصي، وما لم تَرِدْ فيه إباحةٌ؛ قليلُ ذلك كلِّه وكثيرُه غيرُ جائزٍ شيءٌ منه في الصلاة.

وقولُه في الحديث: "فإن أبَى فلْيُقاتِلْه" فالمُقاتلةُ هنا المُدافعةُ، وأظنُّه كلامًا خرَج على التَّغْليظ، ولكلِّ شيءٍ حَدٌّ. وأجمَعوا أنّه لا يُقاتِلُه بسَيْفٍ، ولا يُخاطبُه، ولا يَبلُغُ منه مَبلغًا تَفْسُدُ به صلاتُه، فيكونَ فعلُه ذلك أضرَّ عليه من مرورِ المارِّ بين يَدَيهِ، وما أظُنُّ أحدًا يبلُغُ بنفسِه إذا جهِل أو نسيَ فمرَّ بين يَدَيْ مصلٍّ، إلى اكثرَ من الدَّفع، وفي إجماعِهم على ما ذكَرنا ما يُبيِّنُ لكَ المرادَ من الحديث.

وقد بلَغني أنّ عمرَ بن عبد العزيز، في أكثرِ ظنِّي، ضمَّن رجلًا دفَع آخرَ من (٤) بين يدَيْه وهو يُصَلِّي، فكسَر أنفَه - دِيَةَ ما جنَى على أنفِه. وفي ذلك دليلٌ على أنّه لم يَكنْ له أن يَبْلُغَ ذلك به؛ ولأنَّ ما تولَّد عن المُباح فهو مَعفوٌّ عنه. وقد كان


(١) من هنا إلى آخر الفقرة لم يرد في ق.
(٢) أي: فرك الدم بين الأصابع.
(٣) سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٤) حرف الجر من د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>