للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثوريُّ يَدْفعُ المارَّ بينَ يدَيْه إذا صلَّى دَفعًا عَنِيفًا، وذكَر عنه أبو داودُ أنّه قال (١): يَمُرُّ الرجل يتَبَخْتَرُ بين يدَيَّ وأنا أصلِّي فأدفَعُه، وَيَمرُّ الضعيفُ فلا أمنعُه. وهذا كلُّه يدُلُّكَ على أنّ الأمرَ ليسَ على ظاهرِه في هذا الباب.

وذكَر ابنُ القاسم، عن مالك، قال: إذا جازَ المارُّ بين يَدَي المُصلِّي فلا يَرُدُّه. قال: وكذلك لا يَردُّه وهو ساجدٌ. وقال أشهبُ: إذا مرَّ قُدَّامَه فليَرُدَّه بإشارةٍ، ولا يَمْشي إليه؛ لأنّ مشيَه إليه أشدُّ من مرورِه بينَ يدَيْه، فإنْ مشَى إليه ورَدَّه لم تَفْسُدْ بذلك صلاتُه (٢).

قال أبو عُمر: إن كان مشيًا كثيرًا فَسدَتْ صلاتُه، واللهُ أعلمُ. وإنّما ينبغي له أن يَمنَعَه ويَدرَأه منعًا لا يشتغل به عن صلاتِه، فإن غلَبَه فلْيَدَعْهُ يَبوءُ بإثْمِه؛ لأنّ الأصلَ في مُرُورِه أنّه لا يقْطَعُ على المُصلِّي صلاتَه.

أخبرنا عبدُ الله بن محمدِ بن عبد المؤمن، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرِ بن عبد الرزاق، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٣): حدَّثنا محمدُ بن العلاءِ، قال: أخبرنا أبو أسامةَ، عن مُجالدٍ، عن أبي الودَّاك (٤)، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقطعُ الصلاةَ شيءٌ، وادْرَؤوا ما استَطعْتُم".

وإذا لم يَقطع الصلاةَ شيءٌ، فإنّما هو تَغليظٌ على المارِّ، ولذلك جاء فيه ما جاء، والله أعلمُ.


(١) في السنن، عقيب الحديث (٧٠٠).
(٢) ينظر بداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٩٠ - ١٩١.
(٣) في السنن برقم (٧١٩)، ومن طريقه البغوي في شرح السُّنة ٢/ ٤٦١ (٥٥٠)، وزادا بعد قوله: "ما استطعتم": "فإنما هو شيطان". وأخرجه الدارقطني في السنن ٢/ ١٩٥ (١٣٨٢)، والبيهقي في السنن الكبرى ٢/ ٢٧٨ (٣٦٤٩) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، به. وإسناده ضعيف، لضعف مجالد: وهو ابن سعيد كما في تهذيب الكمال ٢٧/ ٢٢٢.
(٤) جبر بن نوف البِكَاليّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>