للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما استوَى قَرْناكَ لم يَهْتَضِمْهُما ... عزيزٌ ولم يَأكُلْ ضعيفَكَ آكلُ

ولا يَستَوي قرنُ النِّطاحِ الذي به ... تَنوءُ وقَرنٌ كلَّما قُمْتَ مائلُ

وقال جرير (١):

إني امرُؤٌ لم أُرِدْ فيمن أناوِئُه ... للناسِ ظُلْمًا ولا للحربِ إدْهَانا

وأمّا قولُه: "الآيةُ الجامعةُ الفاذَّةُ"، فالفاذُّ: هو الشّاذُّ، والفاذَّةُ: الشَّاذَّةُ، قال ابنُ الأعرابيِّ: يقالُ: ما يَدَعُ في الحرب فلانٌ شاذًّا ولا فاذًّا؛ أي: أنّه شُجاعٌ لا يَلْقاه أحدٌ إلّا قتَله، ويقال: فاذَّةٌ وفَذَّةٌ، وفاذٌّ وفَذٌّ، ومنه قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الجماعةِ تَفْضُلُ صلاةَ الفَذِّ" (٢).

قال أبو عُمر: يعني، والله أعلمُ، أنّها آيةٌ منفرِدةٌ في الخيرِ والشَّرِّ، ولا أعلم آيةً أعمُّ منها؛ لأنّها آيةٌ تَعُمُّ كلَّ خيرٍ وكلَّ شرٍّ. فأمّا الخيرُ، فلا خلافَ بين المسلمين أنّ المؤمِنَ يرَى في القيامةِ ما عَمِل من الخَيْر، ويُثابُ عليه. وأمّا الشَّرُّ، فللّه أن يَعفوَ، وله أن يُعاقِبَ، قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، ولما نزَلتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: ١٢٣] بكى أبو بكرٍ، وقال: يا رسولَ الله، أكلُّ ما نعملُ نُجزَى به؟ فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكرٍ، ألستَ تَمرَضُ؟ ألستَ تَنْصَبُ؟ ألستَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ فذلك ما تُجزَوْن به في الدنيا" (٣).


(١) ديوانه ١/ ١٦٦.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٨٨ (٣٤١) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري (٦٤٥)، ومسلم (٦٥٠) من طريق مالك، به. وسيأتي مع تمام تخريجه في باب نافع.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في التفسير ١/ ١٧٤ عن معمر عن جابر الجعفي، وعن معمر عن رجل عن إسماعيل بن أبي خالد عن رجل من فقهاء أهل الكوفة عن أبي بكر الصديق. وهذا إسناد ضعيف لضعف جابر الجعفي، ولإبهام بعض رواته. =

<<  <  ج: ص:  >  >>