للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ (١): يُصَلِّي الرجلُ الذي صلَّى وحدَه مع الجماعة كلَّ صلاةٍ؛ المغربَ وغيرَها؛ لأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لمِحْجَن الدِّيليِّ: "إذا جئْتَ فَصَلِّ مع النّاسِ وإن كنتَ قد صَلَّيْتَ". ولم يَخُصَّ صلاةً من صلاةٍ. قال: والأولَى هي الفريضةُ والثانيةُ سُنَّةٌ تطوُّعًا، سنَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وهو قولُ داودَ بن عليٍّ (٢)، إلّا أنّ داودَ يرَى الإعادةَ في الجماعةِ على مَن صلَّى وحدَه فَرْضًا، ولا يَحْتَسِبُ عندَه بما صلَّى وحدَه، وفَرْضُه ما أدرَكه من صلاةِ الجماعة، وأمّا مَن صلَّى في جماعةٍ، ثم أدْرَك جماعةً أخرى، فالإعادةُ هاهنا عندَه استحبابٌ (٣).

واختُلِفَ عن الثوريِّ؛ فرُوِي عنه أنّه يُعيدُ الصلواتِ كلَّها مع الإمام كقول الشّافعيِّ سواءً، ورُوِيَ عنه مثلُ قولِ مالكٍ، ولا خلافَ عن الثوريِّ أنّ الثانيةَ تطوُّعٌ وأنّ التي صلّى وحدَه هي المكتوبةُ. وقال أبو ثَوْرٍ: يُعيدُها كلَّها إلّا الفجرَ والعصرَ، إلّا أنْ يكونَ في مسجدٍ فتُقامَ الصلاةُ، فلا يَخرُجْ حتى يُصلِّيَها؛ وحُجَّتُه النَّهيُ عن صلاةِ النافلةِ بعدَ العصرِ وبعدَ الصُّبح.

فأمّا ما احتجَّ به مالكٌ (٤) من قول ابن عمرَ وسعيدِ بن المُسيِّب: ذلك إلى الله يَجْعلُ أيَّتَهما شاء. ولم يقلْ واحدٌ منهما أنّ الثانيةَ نافلةٌ، فإنّ ابنَ عمرَ وسعيدَ بن المُسيِّب قد اختُلِف عنهما في ذلك، وإنْ كان نَقْلُ مالكٍ أصَحَّ.

حدَّثنا سعيدُ بن نصرٍ، قال: حدَّثنا أبو عبد الملِك محمدُ بن عبدِ الله بن أبي دُليْمٍ، قال: حدَّثنا ابنُ وضَّاح، قال: حدَّثنا آدمُ بن أبي إياسٍ العَسْقلانيُّ، قال:


(١) الأم ٧/ ٢١٧، ونقله عنه أيضا إسماعيل المزني في مختصره ٨/ ١٠٩، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٢٩٨.
(٢) "بن علي "من ق.
(٣) ينظر في ذلك كلِّه: الأوسط لابن المنذر ٣/ ١٠٣ و ١٠٤، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٥٢.
(٤) ينظر: المدونة ١/ ١٨٠، والبيان والتحصيل ١/ ٣٨٣، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>