للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مرّةً: والفِقْهُ نورٌ يهدِي اللهُ به من يشاءُ من خَلْقِه، ويؤتِيه مَن أحبَّ من عبادِه، وليس بكثرةِ المسائل (١).

قال أبو عُمر: إجماعُ الصحابةِ حجَّةٌ ثابتةٌ، وعلمٌ صحيحٌ، إذا كان طريقُ ذلك الإجماع التَّوقِيفَ، فهو أقوَى ما يكونُ من السُّنن، وإن كان اجتهادًا، ولم يكنْ في شيءٍ من ذلك مُخالِفًا، فهو أيضًا علمٌ وحُجَّةٌ لازمةٌ؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥] وهكذا إجماعُ الأُمَّة إذا اجْتَمَعتْ على شيءٍ، فهو الحقُّ الذي لا شكَّ فيه، لأنّها لا تَجتَمِعُ على ضلالٍ. وما عدا هذه الأصولَ، فكما قال مالكٌ رحمه الله. وقد تقَصيَّنا الأقاويلَ في هذا الباب، في كتابِنا "في العلم" (٢)، فمَن أحبَّه تأمَّله هناك، وبالله تعالى التوفيق.

وفي هذا الحديث دليلٌ، واللهُ أعلمُ، على أنّ ابنَ عباسٍ قد كان عندَه في غَسْلِ المُحرِم رأسَه علمٌ عن رسولِ إللّه - صلى الله عليه وسلم -، أنبَأَه بذلك أبو أيُوبَ أو غيرُه؛ لأنَّه كان يأخُذُ علمَ أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في السُّنَن وغيرِها عن جميعِهم، وَيختَلِفُ إليهم؛ ألَا ترَى إلى قولِ عبدِ الله بن حُنين لأبي أيُّوبَ رحمه الله: أرسَلني إليكَ ابنُ عباس أسألُكَ: كيفَ كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رأسَه وهو مُحرمٌ؟ - ولم يقُلْ: هل كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رأسَه وهو مُحرمٌ؟ على حسَبِ ما اختلَفا فيه، فالظاهرُ، واللهُ أعلمُ، أنّه قد كان عندَه من ذلكَ علمٌ.

واختلَف أهلُ العلم في غَسْلِ المُحْرِم رأسَه بالماء، فكان مالكٌ لا يُجيزُ ذلك للمُحرِم ويَكْرَهُه له، ومن حُجَّته أنّ عبدَ الله بن عُمرَ كان لا يَغْسِلُ رأسَه


(١) أخرجه المصنف في جامع بيان العلم ١/ ٧٥٧ - ٧٥٨ (١٣٩٤ - ١٣٩٦) و (١٣٩٩) من طريق ابن وضّاح، به.
(٢) جامع بيان العلم وفضله ١/ ٧٥١ - ٧٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>