للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحَبّتين من عِنَبٍ، فنظَر إليها بعضُ أهلِ بيتِها، فقالت: لا تَعْجَبَنَّ، فكم فيها من مثقالِ ذرَّةٍ (١)؟

ومن هذا البابِ قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ" (٢). وإذا كان اللهُ يُرْبِي الصَّدقاتِ، وَيأخُذُ الصدقةَ بيَمِينِه، فيُرْبِيها كما يُرَبِّي أحدُنا فَلُوَّه أو فَصِيلَه (٣)، فما بالُ من عَرَفَ هذا يَغفُلُ عنه؟ وما التوفيقُ إلّا بالله.

وفي سماعِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ ابن بُجَيْدٍ هذا من روايةِ المَقْبُرِيِّ وغيرِه، قولَ جدَّةِ ابن بُجَيْدٍ له: إنّ المِسْكينَ لَيقِفُ على بابِي. ولم يُنكِرْ عليها، دليلٌ على أنّ قولَه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي هريرةَ: "ليس المسكينُ بالطَّوَّافِ عليكم" (٤) لم يُرِدْ به اسمَ المَسْكَنةِ، ولكنَّه أراد معنًى منها ليس موجودًا في الطَّوَّافِ على الأبوابِ، وهو الصَّبْرُ على اللّأْوَاءِ والفَقْرِ مع تركِ السُّؤالِ، وكلاهما يَقعُ عليه اسمُ مسكينٍ بظاهرِ الحدِيثينِ، فكأنّه أراد، واللهُ أعلمُ: ليس المسكينُ على تمام المسكَنةِ، وعلى الحقيقةِ، إلّا الذي لا يَسألُ الناسَ. ومنه قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ليس مِن البِرِّ الصيامُ في السَّفَرِ" (٥). أي: ليس البِرُّ كلُّه بتَمامِه؛ لأنّ الفِطرَ أيضًا في السَّفرِ في رمضانَ بِرٌّ؛ للأخذِ برُخصةِ الله عزَّ وجلَّ وإباحتِه، وبالله التوفيقُ.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٦ (٢٨٤٩) بلاغًا، وهو في رواية أبي مصعب الزهري (٢١٠٦)، وسويد بن سعيد (٨٠٥).
(٢) أخرجه البخاري (٧٥١٢)، ومسلم (١٠١٦) (٦٧) من حديث خيثمة - وهو ابن عبد الرحمن الجعفي - عن عديّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه.
(٣) أخرجه البخاري (١٤١٠)، ومسلم (١٠١٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٤ (٢٨٤٤) عن يحيى بن سعيد عن أبي الحُباب سعيد بن يسار مرسلًا، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في باب يحيى بن سعيد.
(٤) تقدم الكلام عليه، وسيأتي مع تمام تخريجه في موضعه من هذا الكتاب.
(٥) أخرجه البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥) من حديث محمد بن عمرو بن الحسين بن عليّ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>