للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمدُ من ذلك فمعروفٌ في اللغةِ، لأنَّه يقالُ: عَقَّ، إذا قطَع، ومنه يقالُ: عقَّ والدَيْه: إذا قطَعهما (١).

قال أبو عُمر: يَشهَدُ لقولِ أحمدَ بن حنبلٍ قولُ الشاعر:

بلادٌ بها عَقَّ الشبابُ تمَائِمي ... وأولُ أرضٍ مسَّ جِلْدِي تُرابُها (٢)

يريدُ أنه لَمّا شَبَّ، قُطِعَتْ عنه تمَائِمُه.

ومثلُ هذا قولُ ابن ميَّادَةَ، واسمُه الرَّمَّاحُ (٣):

بلاد بها نِيطَت علَيَّ تَمائِمي ... وقُطِّعْن عنِّي حينَ أدرَكَني عقلي

وقولُ أحمدَ في معنَى العَقيقةِ في اللُّغةِ أولى من قولِ أبي عُبيدٍ وأقربُ وأصوَبُ، واللهُ أعلم.

قال أبو عُمر: في هذا الحديث قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن وُلدَ له ولدٌ فأحبَّ أن يَنسُكَ عن ولدِه فلْيَفْعَلْ" دليلٌ على أنّ العقيقةَ ليست بواجبةٍ؛ لأنّ الواجبَ لا يقالُ فيه: "مَنْ أحبَّ فلْيَفْعَلْه". وهذا موضعٌ اختلَف العلماءُ فيه، فذهَب أهلُ الظَّاهرِ إلى أنّ العقيقةَ واجبةٌ فرضًا، منهم داودُ بن عليٍّ وغيرُه (٤). واحتجُّوا لوُجوبِها بأنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بها وفعَلها، وكان بُريدَةُ الأسلَمِيُّ يُوجِبُها، وشَبَّهها بالصَّلاةِ،


(١) ينظر: المغني لابن قدامة ٩/ ٤٥٩.
(٢) الببيت في الكامل في اللغة والأدب ٢/ ٢٠٧، وفي تهذيب اللغة للأزهري ١/ ٥٠، ولسان العرب مادة (عقق) دون نسبة لقائلٍ معيّن، وفيه عندهم "تميمتي" بدل "تمائمي".
(٣) الرَّماح بن أبرد بن ثوبان الذّبياني الغطفاني، والبيت في الرسائل للجاحظ ٢/ ٤٠٠، والشعر والشعراء لابن قتيبة ٢/ ٧٦٠، والأغاني لأبي الفرج ٢/ ٣٠٥ وعزاه هو وابن قتيبة لابن ميادة.
(٤) ينظر المحلّى ٧/ ٥٢٩، ٥٣٠، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>