للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الشافعيُّ، والثَّورِيُّ، وجمهورُ الفقهاءِ، وأهلُ الأثرِ، فإنَّهم قالُوا: آخِرُ وقتِ صَلاةِ الصُّبْحِ أن تُدْرَكَ منها رَكْعَة قبلَ طُلوعِ الشمسِ. ورُوِيَ مثلُ ذلك عن مالِكٍ أيضًا (١). فبَانَ بذلك أنَّ قَوْلَه في رِوايَةِ ابنِ القاسِم عنه: آخِرُ وَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ الإسْفَارُ: أنَّه أرادَ الوَقْتَ المُسْتَحَبَّ، ويُوَضِّحُ ذلك أيضًا أنَّه لا خِلافَ عنه ولا عن أصْحابِه أنَّ مِقْدارَ رَكْعَةٍ قبلَ طُلُوعِ الشمسِ عندَهم وَقْتٌ في صَلاةِ الصُّبحِ لأصْحابِ الضَّرُورَاتِ، وأنَّ مَن أدْرَكَ منهم ذلك لَزِمَته الصَّلاةُ؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أدْرَكَ رَكْعةً مِن الصُّبْحِ قبلَ أن تَطْلُعَ الشَّمْسُ فقد أدْرَكَ الصُّبْحَ" (٢).

وقيل: إنَّ هذا الحديثَ أيضًا دليلٌ على أنَّ أوَّلَ الوَقْتِ وآخِرَه سَواءٌ. وبهذا نزَعَ من قال أن لا فَضْلَ لأَوَّلِ الوقتِ على آخرِه؛ لقَوْلِه -صلى الله عليه وسلم- "ما بين هذيْنِ وَقْتٌ" (٣). قال بذلك قومٌ مِن أهلِ الظَّاهِرِ، وخالَفَهم جماعَةٌ مِن الفُقَهاءِ، ونزَعُوا بأشْياءَ، سنَذْكُرُ بعضَها في هذا البابِ إنْ شاءَ اللهُ.

والذي في قَوْلِه: "ما بين هذيْنِ وَقْتٌ" ممَّا لا يَحْتَمِلُ تأْوِيلًا- سَعَةُ الوَقْتِ، وبَقِيَ التَّفْضِيلُ بينَ أوَّلِه وآخِرِه مَوْقُوفًا على الدَّليلِ.

واخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في الأَفْضَلِ في وَقْتِ صلاةِ الصُّبْحِ؛ فذهَب العِرَاقيُّون؛ أبو حنيفةَ وأصحابُه، والثوريُّ، والحسنُ بنُ حَيِّ، وغيرُهم، إلى أنَّ الإسْفَارَ بها أفْضَلُ مِن التَّغْليسِ في الأزْمِنَةِ كُلِّها؛ في الشِّتاءِ والصَّيْفِ (٤). واحْتَجُّوا بحديثِ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ، وما كان مثلَه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في ذلك. وحديثُ رافِعٍ يدورُ على


(١) ينظر الأوسط لابن المنذر ٢/ ٣٤٧، والمجموع شرح المهذب للنووي ٣/ ٥٢.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٦ من حديث أبي هريرة، وسلف تخريجه مستوفًى ٣/ ١٧٠.
(٣) سلف تخريجه.
(٤) ينظر المبسوط للسرخسي ١/ ١٤٥، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>