للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه دليل على أنَّ الظُّهرَ يُعجَّلُ بها في غير الحرِّ (١)، ويُبرَدُ بها في الحرِّ.

ومعنى الإبرادِ: التأخيرُ حتى تزولَ شمسُ (٢) الهاجرةِ. وهذا معنًى اختلَف الفقهاءُ فيه:

فأمَّا مذهبُ مالكٍ في ذلك، فذكَر إسماعيلُ بنُ إسحاقَ، وأبو الفرج عَمْرُو بنُ محمدٍ: أنَّ مذهبَه في الظُّهرِ وحدَها أن يُبرَدَ بها، وتُؤخَّرَ في شدَّةِ الحرِّ، وسائرُ الصلواتِ تُصلَّى في أوائلِ أوقاتِها؛ قال أبو الفرج (٣): اختار مالكٌ رحِمه اللهُ لجميعِ الصلواتِ أولَ أوقاتِها، إلا الظهرَ في شدَّةِ الحرِّ؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا عن الصلاةِ".

قال أبو عُمر: الحجةُ لهذا القولِ الحديثُ المذكورُ في هذا البابِ، مع ما قدَّمنا في البابِ الذي قبلَه من فضلِ الصَّلاةِ في أولِ وقتِها. وتقديرُ الآثارِ في ذلك، كأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: صلُّوا الصلواتِ في أوائلِ أوقاتِها، لمَن ابتغى الفضلَ، إلا الظهرَ في شدَّةِ الحرِّ، فإنَّ الإبرادَ بها أفضلُ. وهذا تقديرٌ محتملٌ، واستثناءٌ صحيحٌ إن شاء اللهُ. وقد نزعَ أبو الفرج بأن جبريلَ صلَّى بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الوقتِ المختارِ في اليوم الأولِ، وصلَّى به في اليوم الثاني، ليعُلِمَه بالسَّعةِ في الوقتِ والرخصةِ فيه.

وأما ابنُ القاسم، فحكى عن مالكٍ أنَّ الظُّهرَ تُصلَّى إذا فاء الفيءُ ذراعًا في الشتاء والصيفِ، للجماعةِ والمُنفرِدِ، على ما كتَب به عمرُ إلى عُمالِه (٤).

وقال ابنُ عبدِ الحكم وغيرُه من أصحابِنا: إنَّ معنى ذلك مساجدُ الجماعاتِ،


(١) في ق: "تعجل في البرد".
(٢) في ق: "سموم".
(٣) نقله عنه ابن رشد في البيان والتحصيل ١٥/ ١٧٠.
(٤) المدوّنة ١/ ١٥٦، وهذا القول رواه مالك في الموطأ ١/ ٣٧ (٧) عن نافع مولى عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمّاله: "إنّ أهمّ أمركم عندي الصلاة ... "، وفيه قوله: أن صلُّوا الظُّهر إذا كان الفيء ذراعًا إلى أن يكون ظِلَّ أحدِكُم مثله.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ١/ ٥٣٦ (٢٠٣٨) عن مالك، به. وهو منقطع، نافع لم يلق عمر، وسيأتي ذكره قريبًا عند المصنف وقوله فيه: منقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>