للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقرَضت بقيام الساعةِ جاءتِ الآخرةُ، والآخرةُ غيرُ خاليةٍ من جهنمَ، كما أنها غيرُ خاليةٍ من الجنةِ؛ لأنَّ الجنَّةَ رحمةُ الله تعالى، والنارَ عذابُه، يُصيبُ بها مَن يشاءُ من عبادِه. وقد ثبَت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "اختصَمتِ النَّارُ والجنةُ؛ فقالت الجنةُ: ما لي يدخُلُني الضعفاءُ والمساكينُ! وقالتِ النَّارُ: ما لي يدخُلُني الجبَّارون والمتكبِّرون! فقال اللهُ للجنةِ: أنتِ رحمتي، أُصيبُ بكِ مَن أشاءُ. وقال للنارِ: أنتِ عذابي أُصيبُ بكِ مَن أشاءُ". وقد رُوِي هذا المعنى من حديث مالكٍ (١)، عن أبي الزنادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. حدَّث به عن مالكٍ، إسحاقُ بنُ محمدٍ الفَرْويُّ.

وممَّا يدُلُّ على أنَّ النَّارَ مخلوقةٌ دائمةٌ، قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: ٤٥ - ٤٦]. وقولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات أحدُكم عُرِض عليه مَقعدُه بالغداةِ والعشيِّ؛ إن كان من أهلِ الجنةِ فمِن أهلِ الجنةِ، وإن كان من أهلِ النارِ فمن أهلِ النارِ، يقالُ له: هذا مَقعدُك حتى يبعثَك اللهُ إليه يومَ القيامةِ" (٢). وهو الذي عليه جماعة أهلِ السُّنةِ والأثرِ، أنَّ الجنَّةَ والنارَ مخلوقتان لا تبِيدانِ، وبالله التوفيقُ.


(١) أخرج البخاري من حديث مالك عن عبد الله بن ذكران، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا: "حُجبت الجنة بالمكاره، وحُجبت النار بالشهوات" (٦٤٨٧)، وذكر ابن بطال في شرح صحيح البخاري ١٠/ ٤٧٢ أنه رواه ابن وَهْب عن مالك، بالإسناد المذكور وقال: من رواية الدارقطني، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣/ ٤٣٦: قلت: هو في غرائب مالك للدارقطني، ومن حديث أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا: "حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره" (٢٨٢٣).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٢٧ (٦٤١) عن نافع بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري (١٣٧٩)، ومسلم (٢٨٦٦) من طريق مالك، به. وسيأتي في باب مالك عن نافع مع تمام تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>